قال: ولما قتل ابن الزبير كبّر أهل الشام، فقال ابن عمر: لمن كبّر من الأخيار لمولده أكثر ممّن كبّر من الأشرار لقتله، وكان أوّل مولود ولد بالمدينة من أبناء المهاجرين.
وقال عوانة وغيره: لما قتل الحجاج ابن الزبير وصلبه بعث إلى أمّه أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين لتأتيه، فأبت أن تفعل، فبعث إليها لتقبلنّ أو لأبعثنّ إليك من يجرّك بقرونك فقالت لرسوله: قل لابن أبي رغال:
لست أفعل أو تبعث إليّ من يجرّني بقروني، فلبس سبته وجعل يتوذّف (١) في مشيته حتى دخل عليها فقال: كيف رأيت ما صنعت بطاغيتك؟ قالت: من عنيت؟ قال: عبد الله، قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، وإنّ أعجب ممّا فعلت تعييرك إيّاي بالنطاقين، فليت شعري بأيّ نطاقيّ عيّرتني، أبالذي كنت أحمل به الطعام إلى رسول الله ﷺ، وهو في الغار، أم بنطاقي الذي تنتطق الحرّة بمثله في بيتها، أما إني سمعت رسول الله ﷺ يقول:«يكون في ثقيف مبير وكذّاب»، فأمّا الكذّاب فقد رأيناه، وأمّا المبير فأنت هو، فانصرف وهو يقول: مبير المنافقين، مبير المنافقين، قالت: بل عمودهم.
قالوا: وكتب الحجاج إلى عبد الملك يسأله أن يبعث إليه بعروة بن الزبير، وكان عروة بن الزبير قد شخص إلى عبد الملك حين قتل أخوه وذكر أنّ أموال عبد الله عنده، فلما وصل الكتاب إليه قال للخرسيّ: خذ بيده، وكان عروة في مجلسه، وقد آمنه فقال عروة: ما على هذا أتيتك؟! فقال: لا بدّ
(١) يتوذف: يقارب الخطو، ويحرك منكبيه متبخترا، أو يسرع. القاموس.