فنزل بدير قرة، ونزل عبد الرحمن بن العباس بدير الجماجم، وخرج ابن الأشعث حتى صار إلى دير الجماجم فعسكر فقال الحجاج: نزلنا بدير قرة ونزل عدو الله بدير الجماجم أفما أتفاءل بهذا، وخندق الحجاج على نفسه، وخندق ابن الأشعث أيضا على نفسه.
واجتمع قراء أهل الكوفة إلى جبلة بن زحر الجعفي فجعلوه رئيسا عليهم، وكان الحجاج كتب إلى عبد الملك حين قدم من البصرة فخبره بكثرة أهل العراق وجدهم واجتماعهم على حربه، فسرح إليه عبد الله بن عبد الملك ابنه في عشرين ألفا من أهل الشام، ومحمد بن مروان أخاه في عشرين ألفا من أهل الجزيرة، فوافوا الحجاج بدير قرة بعد تضييق أهل العراق عليه، فلما قدموا عليه قوي أمره وروخي من خناقه.
ولم يكن بين الفريقين قتال قبل قدوم عبد الله ومحمد، إلا أن أهل العراق كانوا يأتون عسكر الحجاج فيكون بينهم تناوش على خندقه عند أبوابه في غير تزاحف.
وكان من قبل عبد الملك من وجوه الناس من قريش وغيرها قالوا له:
إذا كان رضا أهل العراق بعزل الحجاج فاعزله عنهم تخلص لك طاعتهم وتحقن دماءهم ودماء أهل الشام. فقال لابنه: إذا اجتمعت ومحمدا عمك فاعرض على أهل العراق أن تعزل الحجاج عنهم، وتجري عليهم أعطياتهم كما تجري على أهل الشام، وتجري على ذريتهم كما تجري على ذرية أهل الشام، وأن ينزل ابن الأشعث أي بلد شاء ويكون عليه واليا ما دام حيا، فإن قبلوا ذلك كان محمد بن مروان الأمير عليهم، وإن أبوا فالحجاج أمير عليك وعلى محمد والناس.