عسكره بالسّبخة إلا وقد أقبل شبيب، وقد سبق أصحابه في ثلاثين فارسا، ففرقهم في نواحي عسكر الحجاج ثم حكّموا، فانذعر الناس ودخل عامتهم الكوفة، وقتل من أصحاب الحجاج نحو من مائة وثلاثين، ولم يقتل من أصحاب شبيب إلاّ رجلان.
ثم انصرف شبيب فلقي أصحابه على الطريق فردّهم، ثم أقبل فأتى الفلوجة فأقام بها خمس عشرة ليلة، ثم أتى كوثى، فبعث إليه الحجاج علقمة بن عبد الرحمن الحكمي فكسره ثم انحاز إلى الأنبار وكتب الحجاج إلى عبد الملك:«الغوث الغوث يا أمير المؤمنين، وجّه إليّ أهل الشام فإنه لا غناء عند أهل الكوفة». فبعث إليه أربعة آلاف رجل فقدموا عليه وشبيب بالأنبار، فقال شبيب: لنذعرنّ ابن أبي رغال. فأقبل وقد قرّط (١) فرسه عنانه، وقرّط الخوارج خيلهم أعنّتها حتى دخلوا الكوفة ليلا بعد ما صلّيت العشاء الأخيرة ومعه مائة وخمسون رجلا، ومعه جهيزة امرأته وغزالة أمه وكانت من سبي أصبهان، وفي المسجد أصحاب الأساطين والبرانس يصلون والأحراس في السّكك، فقال شبيب لأصحابه: ليقم على كلّ باب رجلان فلا يمرّ بهما أحد إلاّ قتلاه، وقال لأمّه وامرأته: اقعدا على المنبر لا تصبكما معرّة.
ثم اعترض من في المسجد فقتلوا، وقتل أصحابه من شدّ فأراد الخروج وقتل أبو سليم، وهو أبو ليث بن أبي سليم المحدّث في عدّة من النسّاك.
(١) قرط الفرس: ألجمها، أو جعل أعنتها وراء آذانها عند طرح اللجم. القاموس.