فقال: يا بني. إني أصرم نخل أربعة آلاف جريب. فقال: يا أبت إن في حائطك بعوضا وأنا أريد حائطا لا بعوض فيه.
ثم خرج ومعه أخته، وخرج معه أربعون رجلا، فودعه أبوه وهو يبكي، فقدم البصرة فأقام بها حتى فرغ من جهازه، ولقي من أراد، ثم خرج إلى موقوع سنة ست وثمانين فوجه إليه الحكم بن أيوب عبد الملك بن المهلب.
وقال قوم: كان الحكم غائبا عن البصرة وخليفته عبد الملك بن المهلب، فوجه إليهم عبد الملك: عبد الله بن كرمان الجهضمي، فالتقوا فقال داود لأخته: تقدمي فإني أخاف أن تبقي بعدي فتسبين وتسترقّين، فتقدمت فقاتلت فقتلت، وقتل أصحابه وبقي وحده وأحاطوا به قرب البلد وألجأوه إلى حائط ثم رموه بالنّبل وطعنه رجل وقال: ذق بما قدّمت يداك فقال: ويحك، حرّ النار أشدّ من هذا، ومات فقال زياد الأعسم:
سقى الله أجسادا تلوح عظامها … بفرضة موقوع سحابا غواديا
فإن يك داود مضى لسبيله … فقد كان ذا شوق إلى الله تاليا
وقد كان ذا أهل ومال وغبطة … وكان لما يغني من العيش قاليا
كأن الفتى داود لم يك فيكم … ولم نره يوما من الصوم باليا
أقيم على الدنيا كأني لا أرى … زوالا لها أو أحسب العيش باقيا (١)