قالوا: ولما أفاق الوليد قال: ما أحد أسرّ بعافية أمير المؤمنين من الحجاج، فورد كتابه بعد أيام بتهنية الوليد بالعافية، وبعث إليه بأنبجات (١) من انبجات الهند.
ثم لم يمت الحجاج حتى ثقل على الوليد، فقال خادم للوليد: إني لأوضّئه يوما لصلاة الغداة إذ مدّ يده فجعلت أصبّ عليها الماء وهو ساه والماء يسيل ولا أقدّر أن أتكلم، ثم نضح الماء في وجهي وقال: أناعس أنت؟ ثم رفع رأسه إليّ فقال: ويلك أتدري ما جاء الليلة؟ قلت: لا. قال: ويلك مات الحجاج. فاسترجعت فقال: اسكت فما يسرّ مولاك أنّ في يده تفاحة يشمّها وأنه لم يمت.
المدائني قال: قال الماجشون: لما مات الحجاج أتيت عمر بن عبد العزيز فأخبرته فقال: رغم أنفي لرب لم يقطع مدّتي حتى أراني موت الحجاج، فأتى الوليد فأخبره فترحّم عليه، ثم قال لعمر: أما لقد كان حسن القول فيك يا أبا حفص، وهل كان إلا منّا أهل البيت.
وحدثني الحرمازي عن أبي عمرو المديني قال: لما مات الحجاج والوليد بن عبد الملك جعل الإماء والصبيان بالمدينة يقولون: يا مهلك الاثنين أهلك ذاك الإنسان - يعنون عثمان بن حيّان -
(١) الانبج: ثمرة شجرة هندية، وهو معرب أنبة وزان رغبة، قال أبو حنيفة: شجر الأنبج كثير بأرض العرب من نواحي عمان، يغرس غرسا، ويعظم شجره حتى يكون كشجر الجوز، وورقة كورقه. تاج العروس.