ولا أحسنوا العبارة عما في أنفسهم، فتكلم رجل منهم فأفصح وأوضح وعبر عن نفسه وعن القوم، فقال مسلمة: ما شبّهت كلام هذا الرجل في إثر كلام القوم إلا بسحابة لبدت عجاجا.
قالوا: ومرض الوليد فذكر له موسى بن نصير طبيبا قدم به من المغرب روميا فأدخله إليه، وعنده ابن رأس البغل، ويقال ابن رأس الحمار، وكان يعالجه، وكان طبيب عبد العزيز بن مروان، وكان من أهل الاسكندرية، فتراطنا بالرومية فقال أحدهما لصاحبه: ما داؤه؟ قال: السّل. قال:
صدقت.
ودعا له صاحب موسى بفرخ فطبخ وألقي على مرقه دواء وحساه منه جرعا فلم يلبث في جوفه وقاءه، فقال: لا أرى هذا وافقك وعندي ما هو أسهل منه وأنا آتيك به في غد، فخرج من عنده وقال: والله لا يصبح حيا، فمات في السّحر.
وتوفي الوليد ويكنى أبا العباس في سنة ست وتسعين وهو ابن تسع وأربعين، وملك تسع سنين، ودفن خارج الباب الصغير بدمشق، وصلى عليه عمر بن عبد العزيز، فرثاه جرير فقال:
إنّ الخليفة قد وارت شمائله … غبراء ملحدة في حالها زور
أضحى بنوه وقد جلّت مصيبتهم … مثل النّجوم هوى من بينها القمر
كانوا جميعا فلم يدفع منيّته … عبد العزيز ولا روح ولا عمر (١)