أأذكر الجهد والبلوى التي شملت … أم أكتفي بالذي نبّئت من خبر
كم بالمواسم من شعثاء أرملة … ومن يتيم ضعيف الصوت والنّظر
ممّن ترجّى له من بعد والده … كالفرخ في العشّ لم ينهض ولم يطر (١)
فبكى عمر حتى بلّت دموعه لحيته، وأمر بصدقات تفرّق على الفقراء في النواحي فقال جرير:
هذي الأرامل قد قضّيت حاجتها … فمن لحاجة هذا الأرمل الذّكر
فقال له: يا جرير أنت من أبناء المهاجرين الأولين؟ قال: لا. قال:
أفمن أبناء الأنصار؟. قال: لا. قال: أفمن أبناء التابعين بإحسان؟.
قال: لا. قال: أفمن فقراء المسلمين أنت فنجريك على ما نجري عليه الفقراء؟ قال: قدرتي فوق ذلك. قال: أفأنت ابن سبيل فنعينك على سفرك؟ قال: قدرتي فوق ذلك. فقال: يا جرير ما أرى لك بين الدفّتين حقا.
فولّى جرير فقال عون: يا أمير المؤمنين إن الخلفاء كانت تعوده الإحسان، وإنّ مثل لسانه يتّقى، فقال عمر: ردّوه فردّ فقال له عمر:
يا جرير إن عندي من مالي عشرين دينارا وأربعة أثواب فأقاسمك ذلك.
فقال: بل توفّر يا أمير المؤمنين وتحمد.
فلما خرج تلقاه الناس فقالوا له: ما وراءك؟ قال: خرجت من عند رجل يعطي الفقراء ويمنع الشعراء، وإني له لحامد. ولم يذكره بسوء. وقال فيه حين مات: