عندكم من شهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا عبده ورسوله، وكان من فعل ذلك عند رسول الله ﷺ آمنا، وحقن دمه، وأحرز ماله ووجبت حرمته، وأنتم تقتلونه ولا تقتلون سائر أهل الأديان فتحرمون دماءهم ويأمنون عندكم. قال اليشكري: أرأيت رجلا ولي قوما وأموالهم فعدل فيها، ثم صيّرها بعده إلى رجل غير مأمون، أتراه أدى الحق الذي يلزمه، أو تراه قد سلم؟ قال: لا. قال: أفتسلّم هذا ليزيد من بعدك وأنت تعرف أنه لا يقوم فيه بالحق؟ قال: إنما ولاّه غيري والمسلمون أولى بما يكون منهم فيه بعدي. قال: أفترى ما صنع من ولاّه حقا؟ فبكى عمر، ثم خرجا فقال مولى بني شيبان: لقد رأيت رجلا يتحرى الخير، وما سمعت حجة أبين ولا مأخذ أقرب من قوله فارجع بنا إليه، فرجعا فقال عاصم الحبشي: أما أنا فأشهد أنك على الحق. فقال عمر لصاحبه اليشكري: ما تقول أنت؟ قال: ما أحسن ما قلت وما وصفت ولكني لا أفتات على المسلمين بأمر حتى أعرض عليهم ما قلت وأعلم ما حجتهم.
فمضى الرجلان وسرح عمر معهما رجلا يعلم خبر القوم فأخبرهم اليشكري بما جرى بينه وبين عمر، فأقاموا وقالوا: كفّوا عنه ما ترككم.
فقال لهم رسول عمر: فهو يكف عنكم ما لم تفسدوا، فرجع إلى عمر، ونزل بسطام وأصحابه حزّة (١) من الموصل، وأقام عاصم الحبشي عند عمر فأمر
(١) حزة موضع بين نصيبين ورأس عين على الخابور، وحزة أيضا قرب إربل من أرض الموصل معجم البلدان.