وكان الوليد شخص عن الرصافة لكثرة عبث هشام به، وخلف عياض بن مسلم مولى عبد الملك بن مروان، وهو كاتبه، بالرصافة، وأمره أن يكتب إليه بالأخبار، فعتب عليه هشام فضربه وحبسه وألبسه المسوح، فلما صار هشام إلى الحدّ الذي لا ترجى له فيه الحياة، أرسل عياض إلى الخزّان أن احتفظوا بما في أيديكم فلا يصلنّ أحد منه إلى شيء.
ثم مات هشام من ساعته، فخرج عياض من الحبس، وختم أبواب الخزائن، وأمر بهشام فأنزل عن فرشه وحازها، فما وجد له كفن، حتى كفنه غالب مولى هشام.
وقال مروان بن شجاع مولى مروان: كنت مع محمد بن هشام، فأرسل يوما إليّ فدخلت عليه وقد غضب وهو يتلهف، فقلت: مالك؟ قال: رجل نصراني شجّ غلامي، وجعل يسبّه، فقلت: على رسلك.
قال: ما أصنع؟ قلت: نرفعه إلى القاضي، قال: أما غير هذا؟ قلت:
لا. فقال خصيّ له: أنا أكفيك. فذهب فضربه. وبلغ ذلك هشاما فطلب الخصيّ فعاذ بمحمد، فقال محمد بن هشام: لم آمرك، وقال الخصي: قد والله أمرني، فضرب هشام الخصي، وشتم ابنه وهجره أياما ثم رضي عنه.
قالوا: وكان في موكب هشام ثمانمائة فارس: أربعمائة من الشرط، وأربعمائة من الحرس، ولم يكن أحد يسير في موكب إلا مسلمة بن عبد الملك.