للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومضى سليمان في خفّ من أصحابه إلى حمص، وبنى ثلما كان مروان ثلمه في حائطها. وكان في نهر الهني (١) قصران يقال لأحدهما الكامل والآخر العجب، فخلّف فيهما سليمان قوما من الذكوانية وغيرهم وأكثرهم موالي هشام، وأمرهم أن يمنعوا من أراد مروان من أصحابه ومن يأتيه بالخبر، فبعث اليهم مروان: لئن أقمتم على ما أنتم عليه ثم ظفرت بكم لم أستبق منكم أحدا. فلم يقبلوا، فأما من كان في العجب فإنهم نزلوا على حكمه فأمنهم، وأما أهل الكامل فأبوا أن يقبلوا أمانه فبعث إليهم خالد بن عمير بن الحباب فعرض عليهم الأمان فلم يقبلوه، ورجع مروان ومرّ بهم فشتموه، فأمر رجلا من أصحابه بقتالهم، فنصب عليهم المجانيق فلم ينتصف النهار حتى أفضى إلى القصر فطلبوا منه أمانا، فأبى أن يؤمنهم إلاّ على حكمه، فقطع مروان أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وهدم الحصن، وجعل الرجل يقول للرجل منهم: أيما أحب إليك، أقتلك شدخا أم أفقأ عينك أم أقطع يديك ورجليك، فأتي برجل منهم فقيل له ذلك فضحك وقال: ما أدري ما أختار من الشرور. فقتلوا بالعمد وبقطع الأيدي والأرجل، فقال بحر بن عمرو القشيري:

ظفرت بهم إذ عاندوك سفاهة … فنكّل بهم حتى تدرّهم العصب

فإنك إذ تفعل تجدهم أذلّة … إذا نكبوا يوما أذلّهم النّكب

وقتل مروان يعقوب مولى هشام غدرا، خرج إليه من الكامل بأمان فقال: لا أعطي أهل الكامل الأمان إلا على حكمي فليس بيني وبينهم إلا السيف، وقتله.


(١) في الرقة.