في الدين، ولا ببصر نافذ في القرآن، ينكرون المعصية على من عملها، ويرتكبون أعظم منها، يبصرون الفتنة ولا يعرفون المخرج منها، يؤملون الدول فيما بعد الموت، ويؤمنون ببعث إلى الدنيا قبل يوم القيامة، جفاة عن الدين أتباع كهان، قلدوا دينهم من لم ينظر لهم ﴿قاتَلَهُمُ اللهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ﴾ (١).
يا أهل مكة إنكم تعيّروني بأصحابي وتزعمون أنهم شباب، وهل كان أصحاب رسول الله ﷺ إلا شبابا، أما إني عالم بتتابعكم فيما يضركم في معادكم، ولولا اشتغالي بغيركم ما تركت الأخذ فوق أيديكم، نعم شباب متكهلون في شبابهم، غيبة عن الشر أعينهم، بطيئة عن الباطل أرجلهم، قد نظر الله إليهم في حنادس الليل منثنية أصلابهم بمثاني القرآن، إذا مرّ أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقا، وإذا مرّ بآية فيها ذكر النار شهق شهقة حتى كأن زفير جهنم في أذنيه، قد وصلوا كلالهم بكلالهم كلال ليلهم بكلال نهارهم، قد أكلت الأرض جباههم وأيديهم وركبهم، مصفّرة ألوانهم، ناحلة أجسامهم، أنضاء عبادة مستقلّون لذلك في الله، موفون بعهده ومتنجزون لوعده، إذا رأوا سهام العدو وقد فوّقت ورماحهم قد أشرعت وسيوفهم وقد انتضيت، وبرقت الكتيبة، ورعدت بصواعق الموت، استهانوا بوعيد الكتيبة لوعيد الله، فمضى الشاب منهم قدما حتى تختلف رجلاه على عنق فرسه، وقد زملت محاسن وجهه بالدماء، وعفر جبينه بالثرى، وأسرعت إليه سباع الأرض، فكم من عين في منقار طائر طالما بكى صاحبها من خشية الله، وكم من كف بائنة طالما اعتمد عليها