ما أنت صانع بعهدي؟ قال: سأتخذه إماما ومثالا فلا أتجاوزه، فقال: ردّ عليّ عهدي. فقال: أتعزلني ولم تخبرني؟ أما والله لو كنا ببطن مكة على السواء ما فعلت بي هذا، فقال معاوية: لو كنا ببطن مكة لكنت معاوية بن أبي سفيان بن حرب وكنت عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وكان منزلي بالأبطح وكان منزلك بأجياد أعلاه مدرة وأسفله عذرة، ثم بعث إلى سفيان بن عوف الغامدي من الأزد فقال له: ولّيتك الصائفة وهذا عهدي فما أنت صانع؟ قال اتخذه إماما ما أمّ الحزم فإذا خالفه أعملت رأيي وسألت الله التوفيق، فقال معاوية: أنت لها، فلما ودعه قال معاوية: هذا والله الذي لا يدفع من بطء ولا يكفكف من عجلة، ولا يضرب على الأمور ضرب الجمل الثقال، فغزا بالناس الصائفة ثم هلك واستخلف عبد الله بن مسعود الفزاري، وقال له: إحرص على أن ترجع بالناس سالمين، فغزا بهم ورجع منهزما، وقد كان الشاعر قال فيه:
أقم يا بن مسعود قناة صليبة … كما كان سفيان بن عوف يقيمها
وسم يا بن مسعود مدائن قيصر … كما كان سفيان بن عوف يسومها
فلما قدم على معاوية قال له: أقم يا بن مسعود. فقال له: يا أمير المؤمنين، قرنتني إلى رجل قلّ أشباهه في حزمه وبأسه، فقال معاوية: إن من فضلك عندي معرفتك بفضل من هو أفضل منك، ولكنك قلت هذه أول ولا يأتي ومحني فحرصت فغرّرت، والله يغفر لك.
وكان عبد الرحمن يلي بعد ذلك الصوائف - وكان كعب بن جعيل صديقا لعبد الرحمن بن خالد فقال له معاوية: لم ترث صديقك، ولو كان للشعراء عهد لرثيته، فقال: قد قلت فيه: