للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا ألجّ منه حين فعل به هذا، وسعيد ممن لا يخاف فتقه وغوائله على الإسلام وأهله، وهو من أهل الجماعة، فقال عبد الملك: اكتب كتابا منك إلى سعيد تخبره برأيي فيه وكراهتي ما صنع به، وأن هشاما قد خالف رأيي فيما كان منه إليه، فكتب قبيصة بذلك، فقال سعيد حين قرأ هذا الكتاب: الله بيني وبين من ظلمني، وكتب عبد الملك إلى هشام يعنفه على ما كان منه، ويأمره بإكرام سعيد والوصاة به وبحفظه.

قالوا: ولما ضرب هشام بن اسماعيل سعيدا أقامه في سوق الطعام، فمرت به امرأة فقالت: لقد أقمت يا شيخ مقام خزي. فقال: من مقام الخزي فررت.

قال الواقدي: وحدثني سلم مولى بني مخزوم قال: صنعت ابنة سعيد بن المسيب طعاما كثيرا حين حبس وبعثت به إليه، فلما جاءه الطعام دعاني فقال لي: اذهب إلى ابنتي فقل لها: لا تعودي لمثل هذا فإن هشاما إنما يريد أن يذهب بمالي فأحتاج إلي ما في أيديهم، ولست أدري ما مدة حبسي، وانظري القوت الذي كنت آكله في بيتي فابعثي به إلي، فكانت تبعث بذلك لا تتجاوزه، وكان سعيد يصوم الدهر.

وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن يزيد الهذلي قال: دخلت على سعيد بن المسيب، وهو في السجن، وقد ذبحت له شاة وجعل إهابها على ظهره ثم جعلوا له بعده قصبا رطبا يضطجع عليه ويقولون: يذهب بالأثر، فكان كلما نظر إلى عضديه قال: اللهم انصرني على هشام، فلما كانت سنة تسع وثمانين مات عبد الملك وولي الوليد وكان سيئ الرأي في هشام بن اسماعيل فعزله عن المدينة وأمر أن يوقف للناس، فدعا سعيد ولده ومواليه،