أحدهم، يعوذ بالله ممن فوقه ولا يريد أن يعيذ الله منه من تحته، يبصر الغررة من غيره ويغفلها من نفسه، يتصنع لتحسب عنده أمانة وهو مرصد للخيانة، يخف عليه الشّعر، ويقل عليه الذكر، يعجل النوم ويؤخر الصوم يبيت نائما ولا يصبح صائما، يتصبح بالنوم ولم يسهر ويمسي وهمّه العشاء وهو مفطر، إن صلى اعترض، وإن ركع ربض، وإن سجد نقر، وإن جلس شغر، إن سأل ألحف، وإن سئل سوّف، وإن وعد أخلف وإن حلف حنث، وإن وعظ كلح، وإن مدح فرح، ليس له في نفسه عن عيب الناس شغل، أهل الخيانة له بطانة، وأهل الأمانة عليه علاوة، يعجب من أن يفشو سره، ولا يشعر من أين جاء ضره. يسرّ من الناس ما لا يخفى على الله، فيستحييهم ولا يستحي ربه، ينظر نظر الحسود، ويعرض إعراض الحقود، ويرضي الشاهد ويسخط الغائب، يضحك من غير عجب، ويسعى إلى غير أرب، لا ينجو منه من جانبه ولا يسلم منه من صاحبه، إن حدّثته ملّك، وإن حدثك غمّك، وإن فارقك أكلك، إن حاورته بهتك لا ينصت فيسلم، ولا يتكلم بما لا يتعلم، يغلب لسانه قلبه، ويضبط قلبه قوله، يتعلم المراء وينفقه للرياء ويكثر الكبرياء، يسعى للدنيا ويواكل في التّقى.
المدائني قال: كان عون بن عبد الله بن عتبة يقول: لم يعذب أحد في الدنيا بمثل الظن السيء، والحسد الدائم، والجار البذيء، والزوجة السليطة.
قال: وكان يقول: عجبت لرجل يطلب ما لعله لا يدركه، ويدع ما يتيقن أنه مدركه.