للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفكر، متواصل الأحزان، ليست له راحة. لا يتكلم في غير حاجة، طويل السكت. يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، قولا فصلا، لا فضلا ولا تقصيرا، دمثا، ليس بالجافي ولا المهين. يعظم النعمة وإن دقت، لا يذّم منها شيئا. لا يذم ذواياه، ولا يقبحه.

ولا يغضبه الدنيا وما كان لها. فإذا كان الحقّ، لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له. لا ينتصر لنفسه، ولا يغضب لها، يشير بكفه كلها. وإذا تعجب قلبها، وإذا حدّث اتصل بها فضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى. وإذا غضب، أعرض وأشاح. وإذا رضي غضّ بصره وصمت. جلّ ضحكه التبسم، يفتر عن مثل حب الغمام .

قال الحسن: فكتمتها عن أخي الحسين زمانا، ثم حدّثته بها، فوجدته قد سبقني إليه، فسأله عما سألته عنه، ووجدته قد سأل أباه عن مدخل رسول الله ، ومخرجه، ومجلسه، وشكله، وسيرته، وكلامه، وسكوته.

قال الحسين : سألت أبي عن مدخل رسول الله .

فقال: كان مدخله لنفسه مأذونا له في ذلك. فإذا آوى إلى أهله. جزّأ مدخله ثلاثة أجزاء: جزءا لله، وجزءا لنفسه، وجزءا لأهله. ثم جزّأ جزأه لنفسه بينه وبين الناس، فرّد على العامة من الخاصة. وكان من سيرته إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين. فمنهم ذو الحاجة، وذو الحاجتين، وذو الحوائج، فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما أصلحهم وأصلح الأمة من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: «ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي