للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حاجته. فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغه إياها، ثبت الله قدمه يوم القيامة». لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل غيره من أحد.

قال: وسألته عن مخرج رسول الله ، وكيف كان يصنع فيه؟ فقال: كان يخزن لسانه عما لا يعنيه. وكان يؤلّف، ولا ينفرّ، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذّر الناس الفتن، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه. يتفقد أصحابه، ويسأل عما في الناس فيحسن الحسن ويقويه. ويقبح القبيح ويوهنه، مؤتلف الأمر، غير مختلفه. كل حال عنده عتاد. لا يقصر عن الحق، ولا يجوز الدين. أفضل الناس عنده أعمهم نصيحة. وأعظمهم عنده منزلة، أحسنهم مؤاساة ومؤازرة.

قال: وسألته عن مجلس رسول الله ، فقال: كان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله. ولا يوطن الأماكن (١)، وينهى عن أيطانها. وإذا انتهى إلى قوم، جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك. ويعطي كلا من جلسائه بنصيبه، فلا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه. من جالسه أو قارنه في حاجة، سايره حتى يكون هو المنصرف. ومن سأله حاجة، لم يردّه إلا بها أو بميسور من القول. قد وسع الناس منه بسطه وخلقه، فصار لهم أبا. وصاروا عنده في الحق سواء. مجلسه مجلس حلم، وحياء، وصدق، وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا توبن فيه الحرم (٢)، ولا تخشى فلتاته. ترى جلساءه يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين، يوقّرون الكبير،


(١) - أي لا يتخذ لنفسه مجلسا يعرف به. النهاية لابن الأثير.
(٢) - أي لا يذكرن بقبيح. النهاية لابن الأثير.