للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحوطون الغريب.

قال: قلت: فكيف كانت سيرته في جلسائه؟ قال: كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخّاب، ولا عيّاب، ولا فحاش، ولا مدّاح. يتغافل عما لا يشتهيه، ولا يؤيس منه ولا يجيب فيه. قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه.

وترك الناس من ثلاث: كان لا يذمّ أحدا ولا يعيره، ولا يطلب عثرته، ولا يتكلم إلا فيما رجي ثوابه. فإذا قال، أطرق جلساؤه فكأنما على رؤوسهم الطير. وإذا سكت، تكلموا، لا ينازعون عنده أحدا: من تكلم أنصتوا حتى يفرغ من كلامه. حديثهم عنده حديث أوليتهم. يضحك مما يضحكون منه، ويعجب مما يعجبون منه. ويصبر للغريب الجافي في منطقه ومسألته. حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم ويقول: إن رأيتم طالب حق، فارفدوه. ولا يقبل الثناء إلا من المكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز، فيقطعه بنهي أو قيام.

قلت: فكيف كان سكوته؟ قال: على أربع: الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكير. فأما تقديره، ففي تسوية النظر بين الناس، واستماعه منهم. وأما تفكيره، ففيما يفنى ويبقى. وجمع الحلم والصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّه. وجمع ثلاثا: أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح ليتناهى عنه، واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته. وجمع لهم خير الدنيا والآخرة .

وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: