وكلم الأحنف ابن زياد في ابن رأس البغل، وكان محبوسا في خراج فأطلقه، واستأنف به أجلا، ثم حمل المال وبعث إلى الأحنف بعشرة آلاف درهم وهدايا من عسل وسمن وجوز، فردّ الدراهم وقال: لا آخذ على المعروف ثمنا، وقبل الهدايا.
وكان الأحنف يقول: ما جلست قط مجلسا أخاف أن أقام عنه لغيري، إن شر المجالس القلعة.
المدائني عن إسحاق بن أيوب عن رجاء بن حيوة الكندي قال: قال معاوية بن حديج الكندي لقومه: إن تسويدكم إياي غير عجب لأن لي مالا وأفضالا، وليس العجب إلاّ من الأحنف فإنه سوّد بغير مال.
ولما عقد لمعاوية بن حديج على مصر قال له رجل: أعطيت شرفا، فقال له: فمن أنت؟ قال: من بني تميم. قال: يا أخا بني تميم إن هؤلاء يتبعوني طمعا فيما ينالون مني، وإنما الذي شرف لغير نيل صاحبكم الأحنف.
وكان ابن زياد حبس عبيد الله بن الحرّ الجعفي، فتكلم فيه الأحنف فأطلقه فأتاه فقال له: أنا طليقك عبيد الله بن الحرّ وما أدري ما مكافأتك إلا أن أقتلك فأبوء بإثمك فتدخل الجنة وأدخل النار، فضحك الأحنف وقال: لا حاجة لنا في مكافأتك.
قالوا: ولم يتعلق على الأحنف إلاّ بست خصال قوله في الزبير أنه جمع بين غارين ثم هو على أن يلحق بأهله، وقوله حين استنصره الحسن: قد بلونا حسنا وأبا حسن فلم نجد لهما إيالة للملك، ولا صيانة للمال، ولا مكيدة في الحرب، ولم يجبه، وقوله للمرأة يوم مسعود: أست المرأة أحق