للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصرت سيد غطفان، فقال: سأشكرك وأشكمك (١) شكم ذاك، وتداخل الحارث غيظ وغضب شديد فنهض إلى منزله فأخرج رحله وقرّب راحلته ثم جعل يكدم الرّحل غيظا فكلما كسر منه كسرة لاكها طويلا ثم ألقاها فقال له رجل كان معه من محارب بن خصفة: إني أراك تصنع شيئا عجيبا، فلما ركب راحلته أقسم على المحاربي، وكان يقال له خراش لينطلقنّ إلى حيث يشاء فانطلق وتركه، وقال عروة لأخيه خالد: ما حملك على ما قلت للحارث حتى أغضبته وأنت تعرف شجاعته وفتكه وشرارته، أما والله إني لأحسبك ستشرب بها كأسا فقال خالد: وما الذي تخوفني به من الحارث، فوالله لو وجدني نائما ما اجترأ على أن يوقظني، فقال عروة: الصدق ينبئ عنك لا الوعيد، ودخلا قبّتهما فأشرجاها عليهما، وأقبل الحارث ليلا فأناخ راحلته وأتى القبة فقطع شرجها بسيفه، وخالد نائم فقال لعروة: والله لئن تحركت لأجأنّ بك قبله فسكت وضرب الحارث خالدا برجله فنبهه ثم قال:

أتعرفني؟ قال: نعم. قال أنا الذي بلغني أنك قلت لأخيك والله لو كنت نائما ما اجترأ على أن يوقظني، ثم ضربه بسيفه حتى قتله، وخرج فركب راحلته وهرب، ودخل عروة على النعمان فأخبره بما صنع الحارث فأمر بطلبه فلحقه قوم فهابوه وتحاموا عنه وقالوا: لم نره، ومضى إلى غسان بالشام، فكان في جوارهم حينا، ثم أتى مكة حتى استؤمن له النعمان فقدم الحيرة.

وبلغ الحارث أن جمل بنت خالد قالت:

يا حار لو نبهته لوجدته … لا طائشا رعشا ولا معزالا

لكن غدرت وكنت عبدا غادرا … في الليل تحسب في الظلام خيالا


(١) الشكم: الجزاء والعطاء، والشكيمة: الأنفة والانتصار من الظلم. القاموس.