ما سمعته قال شيئا، إلا أنه لم يزل ضاحكا، وقال قيس:
أينجو بنو بدر بمقتل مالك … ويخذلنا في النائبات ربيع
وكان زياد قبله يتقى به … شبا الدهر إن يوم ألم فظيع
لعل ربيعا يحتذي فعل شيخه … وما الناس إلا حافظ ومضيع
فلما بلغ الربيع هذا الشعر بكى على مالك ورفع صوته والجمانة تسمع قول جدها فقال:
منع الرقاد فما أغمض حار … جلل من النبإ العظيم الساري
من مثله تمشي الناس حواسرا … ويقوم معوله مع الأسحار
من كان مسرورا بمقتل مالك … فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرا يندبنه … يضربن حرّ الوجه بالأحجار
يخمشن حرّ وجوههنّ على فتى … سهل الخليقة طيب الأخبار
وقد كنّ يخبئن الوجوه تستّرا … فاليوم حين برزن للنظار
أفبعد مقتل مالك بن زهير قد … ترجو النساء عواقب الاطهار
ما ان أرى في قتله لذوي النهى … إلا المطيّ تشدّ بالأكوار
ومسومات ما يذقن علوفة … يقذفن بالمهرات والأمهار
وفوارس صدأ الحديد عليهم … فكأنما طلي الوجوه بقار
حتى نثير بذي المريقب منكم … بدرا ونشفى من بني صبار
قتلوا ابن عمهم وجار بيوتهم … غدرا بغير دم ولا أوتار
في أبيات، فروت الجمانة الشعر وأنشدته أباها، فأتى قيس الربيع فاعتذر إليه، وقال له: إنه لم يهرب منك من لجأ إليك، ولم يستغن عنك من استعان بك، وقد كان لك شر يوم، فليكن لك خير يوم، وإنما أنا بقومي