قدمنا على الحجاج البصرة، وقدم عليه قرّاء من المدينة من أبناء المهاجرين والأنصار، فيهم أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ﵁. وقراء من قراء أهل الشام وأهل الكوفة، فدخلنا عليه في يوم صائف شديد الحر وهو في آخر أبيات فدخلنا البيت الأول فإذا الماء قد أرسل فيه الثلج والخلاف، ثم دخلنا البيت الثاني فإذا فيه من الثلج والخلاف أكثر مما في البيت الأول ثم دخلنا البيت الثالث فإذا فيه من الماء والثلج والخلاف أكثر مما في البيت الثاني، قال: وإذا الحجاج قاعد على سريره، وعنبسة بن سعيد إلى جنبه فدخلنا فجلسنا على الكراسي فما خرجنا يومئذ حتى قررنا، ودخل الحسن آخر من دخل فقال الحجاج: مرحبا بأبي سعيد، إليّ. ثم دعا بكرسي فوضع إلى جانب سريره فقعد عليه الحسن، فقال: اخلع قميصك فجعل الحسن يعالج زرقميصه وأبطأ بنزعه فطأطأ الحجاج رأسه إليه حتى قلنا إنه يتعاطاه بيده من لطفه به وإقباله عليه ثم جاءت جارية بدهن حتى وضعته على رأسه، وما صنع ذلك بأحد غيره، فقال له الحجاج: ما لي أراك منهوك الجسم لعل ذلك من سوء ولاية وقلة نفقة ألا نأمر لك بخادم لطيف ونفقة توسع بها على نفسك؟ فقال: إني من الله في سعة، وإنّ عليّ لنعمة، إني منه في عافية ولكن الكبر والحر. وأقبل الحجاج على عنبسة فقال: لا والله ولكن العلم بالله، والخوف له، والزهد فيما نحن فيه.
قال: ولم يسمعها الحسن وقد سمعتها أنا وكنت أقرب إلى عنبسة من الحسن، وجعل الحجاج يذاكرهم ويسألهم إذ ذكر علي بن أبي طالب فنال منه ونلنا مقاربة له وفرقا منه ومن شره، والحسن، ساكت عاضّ على إبهامه، فقال: يا أبا سعيد مالي أراك ساكتا؟ فقال: ما عسيت أن أقول؟ قال: