وكان يهجو الذين لا يجيزونه أو يمتنعون عن تلبية مطاليبه مما جعلهم يتحاشون لسانه ويبادرون إلى شراء سكوته، وقد دخل مرة إلى أحمد بن صالح بن شيرزاد، فعرض عليه رقعة له فيها حاجة فتشاغل عنه. فقال له البلاذري:
تقدم وهب سابقا بضراطه … وصلّى الفتى عبدون والناس حضّر
وإني أرى من بعد ذاك وقبله … بطونا لناس آخرين تقرقر
فقال له ابن شيرزاد: يا أبا الحسن، بطون من؟. فردّ عليه البلاذري في تهديد خفي: بطن من لم يقض حاجتي.
وفهم ابن شيرزاد المقصود بالتلميح، فتناول الرقعة ووقّع له فيها بما أراد البلاذري. كما هجا البلاذري صاعدا وزير المعتمد فقال:
أصاعد قد ملأت الأرض جورا … وقد سست الأمور بغير لبّ
وساميت الرجال وأنت وغد … لئيم الجدّ ذو عيّ وعيب
أضلّ عن المكارم من دليل … وأكذب من سليمان بن وهب
وقد خبّرت أنك حارثيّ … فردّ مقالتي أولاد كعب
وهجا عافية بن شيث (وقيل شبيب) بقوله:
من رآه فقد رأى … عربيا مدلّسا
ليس يدري جليسه … أفسا أم تنفسا
هذا ولم يقتصر البلاذري في شعره على المديح والهجاء بل أورد له ابن العديم أبياتا في الزهد، ونقل ابن العديم عن البلاذري نفسه أن محمودا الوراق قال له يوما: قل من الشعر ما يبقى لك ذكره ويزول عنك إثمه، فقال:
استعدي يا نفس للموت واسعي … لنجاة فالحازم المستعدّ