للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

توفي رسول الله يوم الاثنين، فترك بقية يومه، ومن الغد، ودفن ليلا. فتكلم عمر فقال: إنّ رسول الله لم يمت، وإنما عرج بروحه كما عرج بروح موسى بن عمران؛ والله لا يموت حتى يقطع أيدي رجال وألسنتهم. وتكلم حتى أزبد شدقاه. فقام العباس فقال: «يا قوم، إن النبي قد مات، فادفنوا صاحبكم، فإنه ليس يعزّ على الله، إن كان كما يقولون، أن ينحي عنه التراب؛ فو الله ما مات رسول الله حتى ترك السبيل نهجا واضحا: أحلّ الحلال وحرّم الحرام، ونكح وطلق، وحارب وسالم.

والله ما كان راعي غنم يخبط عليها العضاة بمخبطة ويمدر (١) حوضها بيده بأرأب من رسول الله فيكم ولا أتعب يا قوم ادفنوا صاحبكم». وجعلت أم أيمن تبكي، فقيل لها: أتبكين على رسول الله؟ فقالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم أنه خرج من الدنيا إلى ما هو خير له منها؛ ولكني أبكي لأنه انقطع عنا خبر السماء.

- حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال:

قال لي عمر في خلافته: أتدري يا بن عباس ما حملني على ما قلت حين توفي رسول الله ؟ كنت أقرأ هذه الآية: ﴿وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ٢،﴾ وكنت أظنّ أن رسول الله سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها. فذلك حملني على ما قلت.


(١) - مدر المكان: طانه. القاموس.
(٢) - سورة البقرة - الآية:١٤٣.