وإن امرأ يغشى أبا الصقر راغبا … إليه ومفترا به لذليل
وقد علمت شيبان أن لست منهم … فما الذي إن أنكروك تقول
ولو كانت الدعوى تثبّت بالرشا … لثبتّ دعواك الذين تنيل
ولكنهم قالوا مقالا فكذبوا … وجاؤوا بأمر ما عليه دليل
وقصد يوما أحد أصدقائه القدامى فوقف ببابه طويلا دون أن يؤذن له، فعاد إلى منزله حزينا كاسف البال، وبعث إلى ذلك الصديق بهذين البيتين:
لما رأيتك زاهيا … ورأيتني أجفى ببابك
عدّيت رأس مطيتي … وحجبت نفسي عن حجابك
وتوجه إلى صديقه عبيد الله بن خاقان - الذي كان مقربا له زمن المتوكل، والذي لم يلجأ إليه قبل هذه المرة لاستغنائه عنه - لكن هذا حجبه ولم يأذن له، فأنشد وهو على بابه:
قالوا اصطبارك للحجاب مذلة … عار عليك مدى الزمان وعاب
فأجبتهم ولكل قول صادق … أو كاذب عند المقال جواب
إني لأغتفر الحجاب لماجد … أمست له منن عليّ رغاب
قد يرفع المرء اللئيم حجابه … ضعة ودون العرف منه حجاب
ويبدو أم الأمور بلغت بالبلاذري مبلغا اضطره إلى بذل ماء وجهه، وهو الذي ألزم نفسه بصونها عن الامتهان والاجتداء وخصوصا زمن المعتمد، حيث اضطرته الحاجة إلى اللجوء ثانية إلى صديقه القديم عبيد الله ابن خاقان، واغتنم مناسبة جلوس الوزير للمظالم فمثل أمامه شاكيا إليه تأخر رزقه وإلحاف الدائنين وقال له: إن عيبا على الوزير - أعزه الله - حاجة مثلي في أيامه - فغض الوزير طرفه عنه ووقّع له ببعض ما أراد، لكنه سأله بشيء من التأنيب: أين حياؤك المانع من الشكوى على الاستبطاء؟.