قصيدة فريدة في مدح المستعين، ثم عاد إليه بعد ذلك وقال له: يا أمير المؤمنين، قد قلت فيك أحسن مما قال البحتري في عمك. فقال: إن كان ذلك أسنيت جائزتك فهات. فأنشده قصيدة قال فيها:
ولو أن برد المصطفى إذ حويته … يظنّ لظنّ البرد أنك صاحبه
وقال وقد أعطيته فلبسته … نعم هذه أعطافه ومناكبه
فأعجب المستعين بقصيدته وأمره بالانصراف، وأن ينتظر رسوله، ولم يلبث أن جاءه الرسول برقعة بخطه يقول فيها:
«قد أنفذت إليك سبعة آلاف دينار وأنا أعلم أنك ستجفى بعدي وتطرح، وتجتدي فلا يجدى عليك، فاحفظ هذه الدنانير عندك، فإذا بلغت بك الحال إلى هذا فانفق منها ولا تتعرض لأحد ليبقى ماء وجهك عليك. ولك عليّ أن لا تحتاج ما عشت إلى شيء من أمر دنياك كبير ولا صغير على حسب حكمك وشهرتك».
وفعلا فقد أجرى المستعين عليه الجرايات والأرزاق السنية، وتتابعت عليه جوائزه فما احتاج إلى غيرها، وقد آلى على نفسه ألا يريق ماء وجهه أو يجتدي أحدا بعده.
ويبدو أن الأمور التي كان المستعين قد نبّه البلاذري إليها قد تحققت فيما بعد، ذلك أن حال البلاذري قد ساءت، ولم تعد قصائده ومدائحه تؤمن له أسباب عيشه، ولعل فحشه في الهجاء كان أحد الأسباب في تناقص أصدقائه، وإكسابه مزيدا من الأعداء، وحاربه معارف الأمس من المسؤولين وجسوا أرزاقه أو أخروها، وتنكر له أصدقاؤه القدامى ومنهم أبو الصقر اسماعيل بن بلبل الذي كتب البلاذري له كتابا لطيفا سأله فيه أن يطلق له شيئا من أرزاقه، فوعده ولم يفعل، فهجاه بقصيدة قال فيها: