ومحمد بن عمرو بن العاص أمامه يقاتل أشد قتال وهو يقول: يا أمير المؤمنين إلزم ظهري، وكان أشد الناس مع معاوية، وقال عمرو لابنه عبد الله: أقسمت عليك لتأخذن الراية ثم لتلتزمنّها أبدا، فكثرت القتلى وطفق معاوية يقول لعمرو: الأرض الأرض أبا عبد الله، ثم رجع بعض القوم.
قال: وقال: عياض بن خليفة: خرجت أطوف في القتلى فإذا رجل معه إداوة مملوءة ماءا، وإذا رجل آخر مرمّل بالدماء يقول: أنا عبد الرحمن بن حنبل حليف بني جمح - وكان من أهل اليمن - اقرأوا على أمير المؤمنين السّلام وقولوا له: الغلبة لمن جعل القتلى منه بظهر أي غيبهم، ما تبغى يا عياض؟ قال: قلت: أبتغي أصحابي: أخي، وابن بديل، قال: هيهات قتل أولئك أمس أول النهار، فعرضت عليه الماء الذي مع الرجل في الإداوة، فقال: سلني عمّا شئت قبل أن تسقيني فإني إذا شربت مت. قال: فسألته عما بدا لي ثم سقيته، فما عدا أن شرب حتى مات، وأتيت عليا فأخبرته بما قال فقال: صدق، وأذن في الناس بالخروج وأمرهم أن يجعل القتلى منهم بظهر، وغيب قتلاه حتى لا يرى رجل منهم.
ثم اقتتلوا قتالا شديدا حتى قيل: انكشف معاوية وأقبل ابن لّهية معه مصحف بين أذني فرس وأقبل ناس معهم المصاحف بين أيديهم على خيلهم في رماحهم قد نشروها يقولون: بيننا وبينكم ما فيها. فقام فقال: قد قبلت ودعا بعضهم بعضا إلى أن يحكم بينهم حكمان، فزعموا أنهم دعوا إلى رجلين من الأنصار: عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس بن ثابت، فقيل