للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك عن طول التفكير، واستفاد العمر وفلّ الحدّ، وأدرك أقصى حاجته وهو مجتمع القوّة. وعلى أنّ له عند ذلك أن يجعل هجومه عليه من التوفيق، وظفره به بابا من التسديد.

وهذا كتاب تستوي فيه رغبة الأمم، وتتشابه فيه العرب والعجم، لأنه وإن كان عربيّا أعرابيا، وإسلاميّا جماعيّا، فقد أخذ من طرف الفلسفة، وجمع بين معرفة السماع وعلم التجربة، وأشرك بين علم الكتاب والسنة، وبين وجدان الحاسّة، وإحساس الغريزة. ويشتهيه الفتيان كما تشتهيه الشيوخ، ويشتهيه الفاتك كما يشتهيه الناسك، ويشتهيه اللاعب ذو اللهو كما يشتهيه المجدّ ذو الحزم، ويشتهيه الغفل كما يشتهيه الأريب، ويشتهيه الغبيّ كما يشتهيه الفطن.

وعبتني بحكاية قول العثمانيّة والضّرارية «١» ، وأنت تسمعني أقول في أوّل كتابي: وقالت العثمانية والضراريّة، كما سمعتني أقول: قالت الرافضة والزيدية «٢» ، فحكمت عليّ بالنصب لحكايتي قول العثمانية، فهلّا حكمت عليّ بالتشيّع لحكايتي قول الرافضة!! وهلا كنت عندك من الغالية لحكايتي حجج الغالية، كما كنت عندك من الناصبة لحكايتي قول الناصبة!! وقد حكينا في كتابنا قول الإباضيّة والصّفرية، كما حكينا قول الأزارقة والزيدية. وعلى هذه الأركان الأربعة بنيت الخارجية، وكلّ اسم سواها فإنما هو فرع ونتيجة، واشتقاق منها، ومحمول عليها.

وإلّا كنّا عندك من الخارجية، كما صرنا عندك من الضّراريّة والناصبة. فكيف رضيت بأن تكون أسرع من الشيعة، أسرع إلى إعراض الناس من الخارجية، اللهم إلّا أن تكون وجدت حكايتي عن العثمانيّة والضّراريّة أشبع وأجمع، وأتمّ وأحكم، وأجود صنعة، وأبعد غاية. ورأيتني قد وهّنت حقّ أوليائك، بقدر ما قوّيت باطل أعدائك! ولو كان ذلك كذلك، لكان شاهدك من الكتاب حاضرا، وبرهانك على ما ادعيت واضحا.

وعبتني بكتاب العباسية «٣» ، فهلّا عبتني بحكاية مقالة من أبى وجوب الإمامة، ومن يرى الامتناع من طاعة الأئمة الذين زعموا أنّ ترك النّاس سدى بلا قيّم أردّ عليهم، وهملا بلا راع أربح لهم، وأجدر أن يجمع لهم ذلك بين سلامة العاجل، وغنيمة الآجل، وأنّ تركهم نشرا لا نظام لهم، أبعد من المفاسد، وأجمع لهم على المراشد!! بل ليس ذلك بك، ولكنّه بهرك ما سمعت، وملأ صدرك الذي قرأت، وأبعلك

<<  <  ج: ص:  >  >>