وأبطرك، فلم تتّجه للحجّة وهي لك معرضة، ولم تعرف المقاتل وهي لك بادية، ولم تعرف باب المخرج إذ جهلت باب المدخل، ولم تعرف المصادر إذ جهلت الموارد.
رأيت أنّ سبّ الأولياء أشفى لدائك، وأبلغ في شفاء سقمك، ورأيت أن إرسال اللسان أحضر لذّة، وأبعد من النّصب، ومن إطالة الفكرة ومن الاختلاف إلى أرباب هذه الصناعة.
ولو كنت فطنت لعجزك، ووصلت نقصك بتمام غيرك، واستكفيت من هو موقوف على كفاية مثلك، وحبيس على تقويم أشباهك كان ذلك أزين في العاجل.
وأحقّ بالمثوبة في الآجل، وكنت إن أخطأتك الغنيمة لم تخطك السلامة، وقد سلم عليك المخالف بقدر ما ابتلي به منك الموافق. وعلى أنّه لم يبتل منك إلا بقدر ما ألزمته من مؤنة تثقيفك، والتشاغل بتقويمك. وهل كنت في ذلك إلّا كما قال العربي:
«هل يضرّ السّحاب نباح الكلاب»«١» ، وإلّا كما قال الشاعر:[من الرمل]
هل يضرّ البحر أمسى زاخرا ... أن رمى فيه غلام بحجر «٢»
وهل حالنا في ذلك إلّا كما قال الشاعر:[من الكامل]
ما ضرّ تغلب وائل أهجوتها ... أم بلت حيث تناطح البحران «٣»
وكما قال حسّان بن ثابت:[من الخفيف]
ما أبالي أنبّ بالحزن تيس ... أم لحاني بظهر غيب لئيم «٤»
وما أشكّ أنّك قد جعلت طول إعراضنا عنك مطيّة لك، ووجّهت حلمنا عنك إلى الخوف منك، وقد قال زفر بن الحارث لبعض من لم ير حقّ الصفح، فجعل العفو سببا إلى سوء القول:[من الطويل]
فإن عدت والله الذي فوق عرشه ... منحتك مسنون الغرارين أزرقا «٥»
فإنّ دواء الجهل أن تضرب الطّلى ... وأن يغمس العرّيض حتى يغرّقا