للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجاري. فعند ذلك ينقطع النفس. ولولا اعتصامها بهذا السبب لقد كانت انقطعت إلى أصلها من القرص، مع أول حالات الخنق.

وكان يقول: إن لم تكن النفس غمرت بما هيّج عليها من الآفات، ولم تنقطع للطّفر إلى أصلها جاز أن يكون الضياء الساقط على أرض البيت عند سدّ الكوّة أن يكون لم ينقطع إلى أصله. ولكن السدّ هيّج عليه من الظلام القائم في الهواء ما غمره، وقطعه عن أصله. ولا فرق بين هذين.

وكان يعظّم شأن الهواء، ويخبر عن إحاطته بالأمور ودخوله فيها، وتفضّل قوّته عليها.

وكان يزعم أن الذي في الزّقّ [١] من الهواء، لو لم يكن له مجار ومنافس، ومنع من كل وجهة- لأقلّ الجمل الضخم.

وكان يقول: وما ظنّك بالرّطل من الحديد أو بالزّبرة [٢] منه، أنه متى أرسل في الماء خرقه، كما يخرق الهواء! قال: والحديد يسرع إلى الأرض إذا أرسلته في الهواء، بطبعه وقوّته، ولطلبه الأرض المشاكلة له، ودفع الهواء له، وتبرّيه منه، ونفيه له بالمضادة، واطّراده له بالعداوة.

قال: ثمّ تأخذ تلك الزّبرة [٢] فتبسطها بالمطارق، فتنزل نزولا دون ذلك؛ لأنها كلما اجتمعت فكان الذي يلاقيها من الماء أصغر جرما، كانت أقوى عليه.

ومتى ما أشخصت [٣] هذه الزّبرة [٢] المفطوحة المبسوطة المسطوحة، بنتق [٤] الحيطان في مقدار غلظ الإصبع، حمل مثل زنته المرار الكثيرة وليس إلا لما حصرت تلك الإصبع من الهواء. وكلما كان نتوّ الحيطان أرفع كان للأثقال أحمل، وكان الهواء أشدّ انحصارا.

قال: ولولا أن ذلك الهواء المحصور متّصل بالهواء المحصور في جرم الحديد، وفي جرم الخشب والقار، فرفع بذلك الاتصال السفينة علوّا- لما كان يبلغ من حصر ارتفاع إصبع للهواء ما يحمله البغل.


[١] الزق: وعاء من الجلد ينقل فيه الخمر.
[٢] الزبرة: القطعة من الحديد.
[٣] أشخصت: رفعت.
[٤] النتق: الرفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>