للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدلّ على ذلك شأن السكّابة [١] ؛ فإنّك تضع رأس السكّابة الذي يلي الماء في الماء، ثم تمصه من الطرف الآخر، فلو كان الهواء المحصور في تلك الأنبوبة إنما هو مجاور لوجه الماء، ولم يكن متصلا بما لابس جرم الماء من الهواء، ثم مصصته بأضعاف ذلك الجذب إلى ما لا يتناهى لما ارتفع إليك من الماء شيء رأسا.

وكان يقول في السّبيكة التي تطيل عليها الإيقاد، كيف لا تتلوّى، فما هو إلا أن ينفخ عليها بالكير [٢] حتى تدخل النيران في تلك المداخل، وتعاونها الأجزاء التي فيها من الهواء.

وبمثل ذلك قام الماء في جوف كوز المسقاة المنكس. ولعلمهم بصنيع الهواء إذا احتصر وإذا حصر، جعلوا سمك [٣] الصّينية مثل طولها. أعني المركب الصّينيّ.

وكان يخبر عن صنيع الهواء بأعاجيب.

وكان يزعم [٤] أنّ الرّجل إذا ضربت عنقه سقط على وجهه، فإذا انتفخ انتفخ غرموله وقام وعظم. فقلبه عند ذلك على القفا. فإذا جاءت الضّبع لتأكله فرأته على تلك الحال، ورأت غرموله على تلك الهيئة، استدخلته وقضت وطرها من تلك الجهة، ثم أكلت الرّجل، بعد أن يقوم ذلك عندها أكثر من سفاد الذّيخ.

والذّيخ: ذكر الضّباع العرقاء [٥] .

وذكر بعض الأعراب أنه عاينها عند ذلك، وعند سفاد الضّبع لها، فوجد لها عند تلك الحال حركة وصياحا، لم يجده عندها في وقت سفاد الذّيخ لها.

ولذلك قال أبو إسحاق لإسماعيل بن غزوان: «أشهد بالله إنك لضبع» . لأن إسماعيل شدّ جارية له على سلّم وحلف ليضربنّها مائة سوط دون الإزار- ليلتزق جلد السّوط بجلدها، فيكون أوجع لها- فلما كشف عنها رطبة بضّة خدلة [٦] ، وقع عليها، فلما قضى حاجته منها وفرغ، ضربها مائة سوط. فعند ذلك قال أبو إسحاق ما قال.


[١] انظر الصفحة ٤٩، حيث سماها هناك «الشرابة» .
[٢] الكير: الزق الذي ينفخ فيه الحداد.
[٣] السّمك: الارتفاع.
[٤] هو اليقطري؛ كما سيأتي في ٦/٤٥٠.
[٥] العرفاء: الكثيرة شعر الرقبة.
[٦] الخدلة: الممتلئة الأعضاء لحما في رقة عظام.

<<  <  ج: ص:  >  >>