للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك نقول ونزعم أن أوهام هذه العفاريت تصرف عن الذكر لتقع المحنة، وكذلك نقول في النبي صلّى الله عليه وسلّم أن لو كان في جميع تلك الهزاهز [١] من يذكر قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ

[٢] لسقط عنه من المحنة أغلظها.

وإذا سقطت المحنة لم تكن الطاعة والمعصية. وكذلك عظيم الطاعة مقرون بعظيم الثّواب.

وما يصنع الدهري وغير الدّهري بهذه المسألة وبهذا التسطير [٣] ؟! ونحن نقول: لو كان إبليس يذكر في كلّ حال قوله تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ

[٤] وعلم في كلّ حال أنّه لا يسلم لوجب أن المحنة كانت تسقط عنه، لأن من علم يقينا أنّه لا يمضي غدا إلى السوق ولا يقبض دراهمه من فلان، لم يطمع فيه. ومن لم يطمع في الشيء انقطعت عنه أسباب الدواعي إليه. ومن كان كذلك فمحال أن يأتي السّوق.

فنقول في إبليس: إنه ينسى ليكون مختبرا ممتحنا فليعلموا أن قولنا في مسترقي السمع كقولنا في إبليس، وفي جميع هذه الأمور التي أوجب علينا الدّين أن نقول فيها بهذا القول.

وليس له أن يدفع هذا القول على أصل ديننا، فإن أحبّ أن يسأل عن الدين الذي أوجب هذا القول علينا فيلفعل، والله تعالى المعين والموفّق.

وأما قولهم: «من يخاطر بذهاب نفسه لخبر يستفيده» فقد علمنا أن أصحاب الرّياسات وإن كان متبيّنا كيف كان اعتراضهم على أنّ أيسر ما يحتملون في جنب تلك الرّياسات القتل.

ولعلّ بعض الشّياطين أن يكون معه من النّفخ [٥] وحب الرّياسة ما يهوّن عليه أن يبلغ دوين المواضع التي إن دنا منها أصابه الرّجم، والرّجم إنما ضمن أنه مانع من الوصول، ويعلم أنه إذا كان شهابا أنه يحرقه ولم يضمن أنه يتلف عنه، فما أكثر من تخترقه الرّماح في الحرب ثم يعاود ذلك المكان ورزقه ثمانون دينارا ولا يأخذ إلا


[١] الهزاهز: الفتن يهتز فيها الناس.
[٢] ٦٧/المائدة: ٥.
[٣] التسطير: أن يأتي بأساطير وأحاديث تشبه الباطل.
[٤] ٣٥/الحجر: ١٥.
[٥] النفخ: الكبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>