يقول الناس: إنّ هذا لأمر، وإنّ هذا ليراد به أمر وقع، أو سيكون لهذا نبأ. كما تراهم يقولون عند الذوائب التي تحدث لبعض الكواكب في بعض الزمان. فمن التّرشيح والتّأسيس والتّفخيم شأن عبد المطلب عند القرعة، وحين خروج الماء من تحت ركبة جملة، وما كان من شأن الفيل والطير الأبابيل وغير ذلك، مما إذا تقدم للرّجل زاد في نبله وفي فخامة أمره. والمتوقّع أبدا معظّم فإن كانت هذه الشهب في هذه الأيام أبدا مرئيّة فإنما كانت من التأسيس والإرهاص، إلا أن ينشدونا مثل شعر الشعراء الذين لم يدركوا المولد ولا بعد ذلك، فإنّ عددهم كثير، وشعرهم معروف.
وقد قيل الشّعر قبل الإسلام في مقدار من الدهر أطول ممّا بيننا اليوم وبين أوّل الإسلام، وأولئكم عندكم أشعر ممن كان بعدهم.
وكان أحدهم لا يدع عظما منبوذا باليا، ولا حجرا مطروحا، ولا خنفساء، ولا جعلا، ولا دودة، ولا حية، إلا قال فيها، فكيف لم يتهيأ من واحد منهم أن يذكر الكواكب المنقضّة مع حسنها وسرعتها والأعجوبة فيها. وكيف أمسكوا بأجمعهم عن ذكرها إلى الزّمان الذي يحتجّ فيه خصومكم.
وقد علمنا أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم حين ذكر له يوم ذي قار قال:«هذا أوّل يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نصروا» .
ولم يكن قال لهم قبل ذلك إنّ وقعة ستكون، من صفتها كذا، ومن شأنها كذا، وتنصرون على العجم، وبي تنصرون فإن كان بشر بن أبي خازم وهؤلاء الذين ذكرتم قد عاينوا انقضاض الكواكب فليس بمستنكر أن تكون كانت إرهاصا لمن لم يخبر عنها ويحتجّ بها لنفسه. فكيف وبشر بن أبي خازم حيّ في أيّام الفجار، التي شهدها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بنفسه، وأنّ كنانة وقريشا به نصروا.
وسنقول في هذه الأشعار التي أنشدتموها، ونخبر عن مقاديرها وطبقاتها. فأما قوله [١] : [من الكامل]
فانقضّ كالدّرّي من متحدّر ... لمع العقيقة جنح ليل مظلم