ولا تنازع بين الأعراب- والأعراب ناس إنّما وضعوا بيوتهم وأبنيتهم وسط السّباع والأحناش والهمج، فهم ليس يعبرون إلّا بها، وليس يعرفون سواها- وقد أجمعوا على أنّ الأفعى إذا هرمت فلم تطعم- ولم يبق في فمها دم أنّها تنكز «١» بأنفها، وتطعن به، ولا تعضّ بفيها، فيبلغ النّكز لها ما كان يبلغ لها قبل ذلك اللّدغ.
وهل عندنا في ذلك إلا تكذيبهم أو الرجوع إلى الفاصل الذي أنكرتموه، لأنّ أحدا لا يموت من تلك النّخسة، إن كان ليس هناك أكثر من تلك الغمزة.
أصمّ ما شمّ من خضراء أيبسها ... أو مسّ من حجر أوهاه فانصدعا «٣»
وقد حدّثني الأصمعيّ بفرق ما بين النّكز «٤» وغيره عند الأعراب «٥» .
وههنا أمثال نضربها، وأمور قد عاينتموها، يذلّل بها هذا المعنى عندكم ويسهل بها المدخل. قولوا لنا: ما بال العجين يكون في أقصى الدار ويفلق إنسان بطّيخة في أدنى الدار، فلا يفلح ذلك العجين أبدا ولا يختمر؟ فما ذلك الفاصل؟
وكيف تقولون بصدم كان ذلك كصدم الحجر، أو بغرب كغرب السيف!! وكيف لم يعرض ذلك الفساد في كلّ معجون هو أقرب إليه من ذلك العجين.
وعلى أنّ نكز الحيّة التي يصفه الشّعراء بأنّ المنكوز ميّت لا محالة، في سبيل ما حدّثني به حاذق من حذّاق الأطباء، أنّ رجلا يضرب الحيّة من دواهي الحيّات بعصاه فيموت الضّارب، لأنهم يرون أنّ شيئا فصل من الحيّة فجرى فيها حتّى داخل الضارب فقتله، والأطباء أيضا والنّصارى أجرا على دفع الرّؤيا والعين. وهذه الغرائب التي تحكى عن الحيّات وصرع الشيطان الإنسان، من غيرهم.