للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمّا الدّهريّة فمنكرة للشياطين والجنّ والملائكة والرّؤيا والرّقى، وهم يرون أنّ أمرهم لا يتمّ لهم إلّا بمشاركة أصحاب الجهالات.

وقد نجد الرجل ينقف شحم الحنظل «١» ، وبينه وبين صاحبه مسافة صالحة، فيجد في حلقه مرارة الحنظل، وكذلك السّوس إذا عولج به وبينه وبين الإنسان مسافة متوسّطة البعد، يجد في حلقه حلاوة السوس. وناقف الحنظل لا تزال عينه تهمل ما دام ينقفه، ولذلك قال ابن حذام، قال أبو عبيدة: وهو الذي يقول: [من الطويل]

كأنّي غداة البين يوم تحمّلوا ... لدى سمرات الحيّ ناقف حنظل «٢»

يخبر عن بكائه، ويصف درور دمعته في إثر الحمول، فشبّه نفسه بناقف الحنظل، وقد ذكره امرؤ القيس في قوله: [من الكامل]

عوجا على الطّلل القديم لعلّنا ... نبكي الدّيار كما بكى ابن خذام «٣»

ويزعمون أنّه أوّل من بكى في الدّيار.

وقد نجد الرّجل يقطع البصل، أو يوخف الخردل «٤» فتدمع عيناه. وينظر الإنسان فيديم النّظر في العين المحمرة فتعتري عينه حمرة.

والعرب تقول: «لهو أعدى من الثّؤباء!» «٥» ، كما تقول: «لهو أعدى من الجرب!» «٦» ، وذلك أنّ من تثاءب مرارا، وهو تجاه عين إنسان، اعترى ذلك الإنسان التثاؤب.

ورأيت ناسا من الأطباء وهم فلاسفة المتكلّمين، منهم معمر، ومحمد بن الجهم، وإبراهيم بن السّنديّ، يكرهون دنوّ الطامث «٧» من إناء اللبن لتسوطه «٨» أو تعالج منه شيئا، فكأنّهم يرون أنّ لبدنها ما دام ذلك العرض يعرض لها، رائحة لها حدّة وبخار غليظ، يكون لذلك المسوط مفسدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>