للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك عروق الكلى إلى المثانة التي يجري فيها الحصى المتولّد في الكلية إذا قذفته تلك العروق إلى المثانة، فإذا بال الإنسان انضمّت العروق واتّصلت بأماكنها، والتحمت حتى كان موضعها كسائر ما جاوز تلك الأماكن.

- ووجه آخر: وهو أنّ هذا الكلام عربيّ فصيح؛ إذ كان الذي جاء به عربيّا فصيحا، ولو لم يكن قرآنا من عند الله تبارك وتعالى، ثمّ كان كلام الذي جاء به، وكان ممّن يجهل اللّحن ولا يعرف مواضع الأسماء في لغته، لكان هذا- خاصّة- ممّا لا يجهله.

فلو أنّنا لم نجعل لمحمّد صلى الله عليه وسلم، فضيلة في نبوّة، ولا مزيّة في البيان والفصاحة، لكنّا لا نجد بدّا من أن نعلم أنّه كواحد من الفصحاء. فهل يجوز عندكم أن يخطئ أحد منهم في مثل هذا في حديث، أو وصف أو خطبة، أو رسالة، فيزعم أن كذا وكذا يمشي أو يسعى أو يطير، وذلك الذي قال ليس من لغته ولا من لغة أهله؟! فمعلوم عند هذا الجواب، وعند ما قبله، أنّ تأويلكم هذا خطأ.

وقال الله عزّ وجلّ: إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ

[١] وأصحاب الجنّة لا يوصفون بالشّغل، وإنما ذلك جواب لقول القائل: خبّرني عن أهل الجنّة، بأيّ شيء يتشاغلون؟ أم لهم فراغ أبدا؟ فيقول المجيب: لا، ما شغلهم إلّا في افتضاض الأبكار، وأكل فواكه الجنّة، وزيارة الإخوان على نجائب الياقوت! وهذا على مثال جواب عامر بن عبد قيس، حين قيل له وقد أقبل من جهة الحلبة، وهو بالشام: من سبق؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم! قيل: فمن صلّى؟ قال: أبو بكر! قال: إنّما أسألك عن الخيل! قال: وأنا أجيبك عن الخير! [٢] وهو كقول المفسّر حين سئل عن قوله: لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا

[٣] فقال: ليس فيها بكرة وعشيّ. وقد صدق القرآن، وصدق المفسّر، ولم يتناكرا، ولم يتنافيا؛ لأنّ القرآن ذهب إلى المقادير، والمفسّر ذهب إلى الموجود، من دوران ذلك مع غروب الشّمس وطلوعها.


[١] ٥٥/يس: ٣٦.
[٢] البيان ٢/٢٨٢.
[٣] ٦٢/مريم: ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>