للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: هذا شعر أنشدناه أبو الزّرقاء سهم الخثعمي، هذا منذ أكثر من أربعين سنة. والبيت من قصيدة قد كان أنشدنيها فلم أحفظ منها إلّا هذا البيت.

فذكر أنّ مسيلمة طاف قبل التنبّي، في الأسواق التي كانت بين دور العجم والعرب، يلتقون فيها للتسوّق والبياعات، كنحو سوق الأبلّة، وسوق لقه، وسوق الأنبار، وسوق الحيرة.

قال: وكان يلتمس تعلّم الحيل والنّيرجات [١] ، واختيارات النّجوم والمتنبئين.

وقد كان أحكم حيل السّدنة [٢] والحوّاء [٣] وأصحاب الزّجر [٤] والخطّ [٥] ومذهب الكاهن والعيّاف والسّاحر، وصاحب الجنّ الذي يزعم أنّ معه تابعه.

قال: فخرج وقد أحكم من ذلك أمورا. فمن ذلك أنّه صبّ على بيضة من خلّ قاطع- والبيض إذا أطيل إنقاعه في الخلّ لان قشره الأعلى، حتّى إذا مددته استطال واستدقّ وامتدّ كما يمتدّ العلك، أو على قريب من ذلك- قال: فلمّا تمّ له فيها ما طاول وأمّل، طوّلها ثمّ أدخلها قارورة ضيّقة الرّأس، وتركها حتّى جفّت ويبست. فلمّا جفّت انضمّت، وكلما انضمّت استدارت، حتى عادت كهيئتها الأولى. فأخرجها إلى مجّاعة، وأهل بيته، وهم أعراب، وادّعى بها أعجوبة، وأنّها جعلت له آية. فآمن به في ذلك المجلس مجّاعة. وكان قد حمل معه ريشا في لون ريش أزواج حمام، وقد كان يراهنّ في منزل مجّاعة مقاصيص. فالتفت، بعد أن أراهم الآية في البيض، إلى الحمام فقال لمجّاعة: إلى كم تعذّب خلق الله بالقصّ؟! ولو أراد الله للطّير خلاف الطّيران لما خلق لها أجنحة، وقد حرّمت عليكم قصّ أجنحة الحمام! فقال له مجّاعة كالمتعنت: فسل الذي أعطاك في البيض هذه الآية أن ينبت لك جناح هذا الطائر الذّكر السّاعة! فقلت لسهم: أما كان أجود من هذا وأشبه أن يقول: فسل الذي أدخل لك هذه البيضة فم هذه القارورة أن يخرجها كما أدخلها. قال. فقال: كأنّ القوم كانوا


[١] النيرنجات: علم الحيل، وهو فرع من فروع علم السحر، وهو علم يعرف به طريق الاحتيال في جلب المنافع. انظر: كشف الظنون ١/٦٩٤، وانظر اللسان والتاج (نرج) .
[٢] السدنة: جمع سادن، وهو خادم بيت الصنم، وخادم الكعبة.
[٣] الحواء: جمع حاو، وهو الذي يجمع الحيات.
[٤] الزجر: العيافة، وهو ضرب من التكهن.
[٥] الخط: خط الزاجر، وهو أن يخط بإصبعه في الرمل ويزجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>