لما اجتمع علي ومعاوية على أن يحكّما رجلين اختلف الناس على عليّ فكان عظمهم وجمهورهم مقرين بالتحكيم راضين به، وكانت فرقة منهم - وهم زهاء أربعة آلاف من ذوي بصائرهم والعباد منهم - منكرة للحكومة، وكانت فرقة منهم وهم قليل متوقفين، فأتت الفرقة المنكرة عليا فقالوا: عد إلى الحرب - وكان علي يحبّ ذلك - فقال الذين رضوا بالتحكيم: والله ما دعانا القوم إلا إلى حق وإنصاف وعدل، وكان الأشعث بن قيس وأهل اليمن أشدهم مخالفة لمن دعا إلى الحرب، فقال علي للذين دعوا إلى الحرب: يا قوم قد ترون خلاف أصحابكم وأنتم قليل في كثير، ولئن عدتم إلى الحرب ليكوننّ أشدّ عليكم من أهل الشام، فإذا اجتمعوا وأهل الشام عليكم أفنوكم، والله ما رضيت ما كان ولا هويته، ولكني ملت إلى الجمهور منكم خوفا عليكم. ثم أنشد:
وما أنا إلا من غزية إن غوت … غويت وإن ترشد غزية أرشد
ففارقوه ومضى بعضهم إلى الكوفة قبل كتاب القضية، وأقام الباقون معه على إنكارهم التحكيم ناقمين عليه يقولون: لعلّه يتوب ويراجع، فلما كتبت القضية خرج بها الأشعث فقال عروة بن حدير: يا أشعث ما هذه الدنية؟ أشرط أوثق من شرط الله؟ واعترضه بسيف فضرب عجز بغلته وحكم فغضب للأشعث أهل اليمن حتى مشى الأحنف، وجارية بن قدامة، ومعقل بن قيس، وشبث بن ربعي، ووجوه تميم إليهم فرضوا وصفحوا.
حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب بن جرير حدثنا