ثم خلا عمرو بعبد الله بن عمر فقال له: اجتمع أمر الناس عليك وأنت أحقهم بهذا الأمر، فإن عليا قد تخلف عنا، وترك ما افترقنا عليه، ولا بد للناس من إمام يلي أمورهم ويحوطهم ويقاتل من ورائهم.
فقال ابن عمر: ما أنا بالذي أقاتل الناس فتؤمرّوني عليهم، ولا حاجة لي في الإمرة، فزعموا أن عمرا قال له: أتجعلني على مصر؟ فقال: والله لو وليت من الأمر شيئا ما استعملتك على شيء.
قال: وأقبل معاوية حين خلا عمرو بابن عمر ليبايعه فقال له رجل بالباب: لا تعجل فإنهما قد اختلفا؛ وابن عمر يأباها. فرجع معاوية فلما أبى ابن عمر أن يقبلها تفرق الناس ورجعوا إلى أرضيهم ورجع أبو موسى إلى مكة ولم يلحق بعلي، وانصرف معاوية ولم يبايع له، وكان تفرق الناس والحكمين عن أذرح في شعبان، فقال كعب بن جعيل التغلبي:
كأنّ أبا موسى عشية أذرح … يطيف بلقمان الحكيم يواربه
ولما التقينا في تراث محمد … علت بابن هند في قريش مضاربه
وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثني أبو خيثمة، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي قال:
سمعت يعلى بن حكيم يحدث عن نافع قال: لما اجتمعوا بدومة الجندل قال عمرو لابن عمر: إنا قد رأينا أن نبايعك فهل لك أن نعطيك مالا وتدعها لمن هو أحرص عليها منك؟ فوثب ابن عمر مغضبا، فأخذ ابن الزبير بثوبه فجلس وقال: ويحك يا عمرو بعت آخرتك بدنياك، إني والله لا أعطي عليها مالا، ولا أقبل عليها مالا، ولا أقبلها إلا عن رضى جميع الناس.