للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخرج عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب إلى الناس بعد وفاة علي ودفنه فقال: إن أمير المؤمنين رحمه الله تعالى قد توفي برّا تقيّا، عدلا مرضيا، أحيا سنة نبيه وابن عمه، وقضى بالحق في أمته. وقد ترك خلفا رضيا مباركا حليما فإن أحببتم خرج إليكم فبايعتموه، وإن كرهتم ذلك فليس أحد على أحد. فبكى الناس وقالوا: يخرج مطاعا عزيزا، فخرج الحسن فخطبهم فقال: اتقوا الله أيها الناس حق تقاته فإنا امراؤكم وأضيافكم، ونحن أهل البيت الذين قال الله: ﴿لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ [أَهْلَ الْبَيْتِ] وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ (١). والله لو طلبتم ما بين جابلق وجابرس (٢) مثلي في قرابتي وموضعي ما وجدتموه، ثم ذكر ما كان عليه أبوه من الفضل والزهد والأخذ بأحسن الهدى، وخروجه من الدنيا خميصا لم يدع إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه، فأراد أن يبتاع بها خادما. فبكى الناس ثم بايعوه، وكانت بيعته التي أخذ على الناس أن يحاربوا من حارب ويسالموا من سالم، فقال بعض من حضر: والله ما ذكر السلم إلا ومن رأيه أن يصالح معاوية أو كما قال.

ثم مكث أياما ذات عدد يقال خمسين ليلة، ويقال أكثر منها وهو لا يذكر حربا ولا مسيرا إلى الشام، وكتب إليه عبد الله بن عباس كتابا يعلمه فيه أن عليا لم يجب إلى الحكومة، إلاّ وهو يرى أنه إذا حكم بالكتاب يرد الأمر إليه، فلما مال القوم إلى الهوى فحكموا به ونبذوا حكم الكتاب رجع إلى أمره الأول فشمّر للحرب ودعا إليها أهل طاعته، فكان رأيه الذي فارق


(١) - سورة الأحزاب - الآية:٣٣.
(٢) - في معجم البلدان: روى أبو روح عن الضحاك عن ابن عباس أن جابلق مدينة بأقصى المغرب وأهلها عن ولد عاد، وأهل جابرس من ولد ثمود.