ثم قال لأصحابه قوموا فاركبوا فركبت النساء، ثم أراد الانصراف وأمر به أصحابه فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين ذلك، فقال الحسين للحر: ثكلتك أمك، ما تريد؟ فقال الحر: والله لو غيرك يقولها ما تركت ذكر أمه. ولكنه والله مالي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما أقدر عليه، فقال الحسين: فما تريد؟ قال: أريد أن أقدمك على عبيد الله بن زياد، قال: فإني والله لا أتبعك، فقال الحر: وأنا والله لا أدعك.
فلما ترادّا الكلام قال له الحر: لم أؤمر بقتالك وإنما أمرت أن أقدم بك الكوفة فإذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة يكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب إلى الأمير عبيد الله بن زياد وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية إن أحببت ذلك، أو إلى ابن زياد إن شئت، فلعل الله أن يرزقني العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك.
فتياسر الحسين إلى طريق العذيب (١) والقادسية وبينه حينئذ وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا، ثم إن الحسين سار في أصحابه، والحر بن يزيد يسايره.
وخطب الحسين ﵇ فقال: إن هؤلاء قوم لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، فأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأنا أحق من غيّر، وقد أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم فإن تتمّوا عليّ بيعتكم تصيبوا رشدكم، ووبخهم بما فعلوا بأبيه وأخيه قبله، فقام زهير بن القين فقال: والله لو كنا في الدنيا مخلدين لآثرنا فراقها في نصرتك ومواساتك. فدعا له الحسين بخير.
(١) - ماء لبني تميم على مرحلة من الكوفة. معجم البلدان.