للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقبل الحر بن يزيد يقول: يا حسين أذكرك الله في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقاتلنّ ولئن قوتلت لتهلكنّ، فقال الحسين: أبا لموت تخوفني؟ أقول كما قال أخو الأوس:

سأمضي فما بالموت عار على الفتى … إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما

وآسى الرجال الصالحين بنفسه … وفارق مثبورا وخالف مجرما

فإن عشت لم أذمم وإن مت لم ألم … كفى لك ذلا أن تعيش وترغما

فلما سمع ذلك الحر بن يزيد تنحى بأصحابه في ناحية عذيب الهجانات وهي التي كانت هجائن النعمان بن المنذر ترعى بها، وإذا هم بأربعة نفر مقبلين من الكوفة على رواحلهم يجنبون فرسا لنافع بن هلال يقال له الكامل، وكان الأربعة النفر: نافع بن هلال المرادي، وعمرو بن خالد الصيداوي (١) وسعد مولاه ومجمع بن عبد الله العائذي (٢) من مذحج. فقال الحر: إن هؤلاء القوم ليسوا ممن أقبل معك فأنا حابسهم أو رادّهم. فقال الحسين: إذا أمنعهم مما أمنع منه نفسي، إنما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد جعلت لي ألا تعرض لي حتى يأتيك كتاب ابن زياد. فكف عنهم.

وسألهم الحسين عن الناس فقالوا: أما الأشراف فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائرهم ليستمال ودهم وتستنزل نصائحهم فهم عليك ألب واحد، وما كتبوا إليك إلا ليجعلوك سوقا وكسبا، وأما سائر الناس بعد فأفئدتهم تهوي إليك، وسيوفهم غدا مشهورة عليك.

وكان الطرمّاح بن عدي دليل هؤلاء النفر فأخذ بهم على الغريين ثم


(١) - «الصدائي» في رواية أخرى (من هامش الأصل).
(٢) - «العامرى» في رواية أخرى (من الهامش).