الجاثليق على دجلة، ووجه عيسى بن عقيل إلى هيت، وعبد العزيز أخا عبد الجبار إلى بلد، وقال له: ان بلغك ان ابن عليّ انهزم فلا تبرح مكانك ولا تخل بمركزك، ووجه قائدا إلى تكريت، وكتب إلى موسى بن كعب: ان استخلف ابنك عيينة واقدم وقد أمرت لك بخمسمائة ألف درهم فاقبضها، وكتب إلى الحسن بن قحطبة وهو بأرمينية فقدم.
وقالوا: قدم ابن علي نصيبين فخندق وجمع الأطعمة واستعد للحرب، وكان هشام بن عمرو التغلبي مع أبي مسلم فأشار عليه أن يعسكر دون نصيبين لئلا يكون بينه وبين المنصور عدو، فقال: ليس هذا بشيء، ونزل أبو مسلم بإزاء ابن عليّ وكايده لينزل منزله فغرّب وأظهر أنه يريد الشام لتوليه أمير المؤمنين إياه الجزيرة والشام، وأنّ قادما يقدم لمحاربة ابن علي مكانه، فضج أهل الجزيرة والشام وقالوا: الآن يقدم أبو مسلم بلادنا فيجتاح أموالنا ويسبي نساءنا وذرارينا ويقتل من وراءنا من رجالنا ونحن من ملك الدنيا وسعتها في خندق، فرحل عبد الله من خندقه، ونزل أبو مسلم رأس العين، ثم انكفأ راجعا حتى نزل خندق عبد الله، ونزل عبد الله خندقه وقال: إنما كانت هذه مكيدة من العبد، وكاتب أبو مسلم أهل خراسان فانحاز إليه بشر منهم، ووقعت في نفس ابن علي تهمتهم وسوء الظن بمن بقي معه منهم، فأمر حبّاش بن حبيب صاحب شرطته فقتل منهم خلقا.
وحارب أبو مسلم ابن علي أربعة أشهر، ثم إنهم اقتتلوا ذات يوم قتالا شديدا وقد خفّ أصحاب ابن علي وأتت أبا مسلم الامداد وأبو مسلم يقول:
فرّ من الموت وفي الموت وقع … من كان ينوي أهله فلا رجع