وكتب أبو مسلم إلى المنصور يعلمه أن أهل الجزيرة والشام بمواضع من الثغور مشحنة للعدو وأنها لا تسدّ إلاّ بهم، وسأله الصفح عنهم، وأشار عليه باستصلاح وجوههم واصطناعهم، ووفد معه إليه عدة من أشرافهم، وكان عبد الله بن علي لما توجه لغزو الصائفة بلغه أن أبان بن معاوية بن هشام بن عبد الملك قد أقبل يريده في أربعة آلاف، فقصد له ووجّه على مقدمته حميد بن قحطبة والعباس بن زبيد، فلم يكن بينهم كبير قتال حتى انهزم أبان وأصحابه وتحصنوا في حصن كيسوم، فنزل عليه عبد الله فطلبوا الأمان فأمنهم وهرب أبان فدلّ عبد الله عليه وكان في غار فقطع عبد الله يديه ورجليه، ثم ضرب عنقه وأتى دابق فبلغه خبر وفاة أبي العباس.
قالوا: وكانت عند ابن علي أمة الحميد، ويقال اختها أمّ البنين بنت محمد بن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، فقالت له: قتلت أهل الشام فأسرفت، ثم قتلت أهل خراسان وكانوا أنصاركم وأولياء دعوتكم ثم انتحلت الخلافة وقاتلت ابن أخيك - وهو الخليفة - فلم تبق غاية ولم تدع جهدا، ثم هربت إلى غير ملجأ ولا حرز، فهلا متّ كريما، وأما والله لنقاسيّن ذلا طويلا، فغضب فطلقها، وكان له منها: محمد، وعيسى، وأم محمد، وأم عبد الله، بنو عبد الله بن علي، ولما هرب ابن علي بلغ المنصور أن عبد الحميد بن ربعي أبا غانم بالرها، وكان صديقا لأبي الأزهر المهلب بن العبيثر المهري فوجهه لطلب الشراة وأهل الفساد من الأعراب ويسكّن الناس، فجعل يقتل الأعراب من أهل الدعارة حتى أتى الرّها فبعث إلى أبي غانم: إني مشتاق إليك وقد وجّهت في أمر فتركته وملت إليك لأحدث بك عهدا، فخرج إليه وجعلا يتنادمان ثم ذاكره