ويخرجوا فيضطربوا في المال فأجابهم المهدي إلى ذلك، وتوجه منارة مولى أمير المؤمنين إلى المنصور، فقال له أبو عبيد الله كاتب المهدي: احطب عليهم وقل لأمير المؤمنين إن مخلدا وغيره منهم يقولون إنك لا تعود إلى العراق ولا ترى فيه أبدا، فلما وصل منارة إلى المنصور سأله عنهم فأخبره بما فارق أبا عبيد الله على أن يقول للمنصور، فقال له: أما الرجوع فإني أرجو أن يكون سريعا إن شاء الله، وأما وجهي فلن يروه أبدا. وكتب إلى المهدي بخطه يعنّفه على الترفيه عن آل أبي أيوب، ويأمره أن يجمعهم فيقطع أيديهم وأرجلهم ويقتلهم، وختم الكتاب بخاتمه الذي كان في يده وكان نقشه:
«الله ثقة عبد الله وبه يؤمن»، فقتلوا وقطعت أيديهم وأرجلهم، ووضع رأس كل امرئ منهم إلى جثته ويداه ورجلاه على صدره على باب المدينة، ثم حملوا فدفنوا وقد أخذت أموالهم وضياعهم، وحيز عن أبي أيوب وحده ثمانية آلاف وقيل ثمانية عشر ألف جريب بالبصرة، وأخذت منهم أموال عظام بلغت مائة ألف ألف درهم.
حدّثنا المدائني قال: دعا المنصور ذات يوم بأبي أيوب فامتقع لونه، فلما صار إليه ثم عاد إلى مجلسه قال له رجل كان يأنس به: إني رأيت بك منظرا غمّني، فقال له أبو أيوب: سأضرب لك مثلا؛ بلغني أنّ بازيا عاتب ديكا، فقال له: أنا طائر وحشي أوخذ من وكري فآنس بأصحابي حتى أصيد لهم وأحبس صيدي عليهم، وأنت تؤخذ بيضة فتحضن وتربّى على الأيدي وإذا رأيت انسانا نفرت، فقال: أما والله لو رأيت من البزاة في سفافيدهم (١) مثل ما رأيت من الديوك في التنانير لكنت أشد وحشة وروعة
(١) - سفد الذكر على الانثى: نزا، والسفود: حديدة يشوى بها. القاموس.