حدثني العمري عن ابراهيم بن السندي، أن المنصور لما أراد الحج في السنة التي توفي فيها أتى قصر عبدويه فأقام به، ثم دعا بالمهدي فقال له:
يا أبا عبد الله اقرأ هذا الكتاب واعمل بما فيه، فإذا فيه: «أوصيك بتقوى الله ومراقبته، وعليك بإكرام أهل بيتك وإعظامهم، ولا سيما من استقامت طريقته، وطهرت سيرته، وحسنت مودّته منهم، فإنّ أقرب الوسائل المودّة، وأبعد النّسب البغضة، وانظر أهل الجزالة والفضل والعقل منهم فشرّفهم، وأوطئ الرجال أعقابهم، فإنه لا يزال لأمر القوم نظام ما كانت لهم أعلام، وأجزل لهم الإعطاء، ووسّع عليهم في الأرزاق، فإن أكثر الناس مؤونة أعظمهم مروءة، ثم ليكن معروفك لغيرهم بعدهم، فإن الصلة تزيد الألفة، وصنهم ينبلوا ولا تبتذلهم فيخلقوا، واعلم أن رضى الناس غاية لا تدرك فتحبّب إليهم بالإحسان جهدك وتثبّت فيما يرد من أمورهم عليك، ووكل همومك بأمورك، وتفقّد الصّغير تفقّدك الكبير، وخذ أهبة الأمر قبل حلوله، فإنّ ثمرة التواني الإضاعة، وكن عند رأس كل أمر لا عند ذنبه، فإن المستقبل لأمره سابق، والمستدبر له مسبوق. وولّ أمورك الفاضل تكن مستعليا، ولا تولّ المفضول فإنه مزر باختيارك، وانظر الأموال فإنها عدة الملوك، وبهاء السلطان، ونظام التدبير، فوفّرها بولاية أهل العفاف عنها والحيطة عليها، ولا تبتذلها إلاّ في إصلاح أمور السلطان والرعية، وثواب أهل الطاعة والنصيحة، وأحسن إلى نصائحك (١) واستدم مودّتهم ومحبتهم بجميل التعهد لهم والتفقّد لأمورهم ولا تعط عطيّة تبطر