للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخاص، وتؤسف العام، واجعل لكل إليك حاجة، واجعل لهم من فضلك مادة، واسمع من أهل التجارب، ولا تردّنّ على ذوي الرأي، وعوّد نفسك الصّبر على التّعب في إصلاح الرعيّة وترك الهوينا والدّعة، واعلم أن ذهاب السّلطان يؤتى من ثلاثة أمور: قلة الحزم، وضعف العزم، وفقد صالحي الأعوان وأنّ ثباته بأربع خلال: المعرفة، وحسن التخّير، وإمضاء الاختيار، وتنكبّ أهل الحرص، فإن الحريص يبيعك باليسير من حظّه، وشره الوزراء أضرّ الأعداء، ومن خانك كذبك، ومن كذبك غشّك، واعلم أنّ مادّة الرأي المشاورة، فاختر لمشاورتك أهل اللب والرأي والصدق وكتمان السّر، وكاف بالحسنة، وتجاوز عن السيّئة ما لم يكن في ذلك ثلم دين، ولا وهن سلطان، ودع الانتقام فإنه أسوأ أفعال القادر، وقد استغنى عن الحقد من عظم عن المجازاة، وعاقب بقدر الذنب، واعف عن الخطأ، وأقل العثرات من أهل الحرمة والبلاء، وعليك بتلاد نعمتك، ومواليك من أهل خراسان وغيرها من الآفاق، فإنهم أنصح الناس لك، وأشدهم سعيا في بقاء دولتك فإنما عزّهم بعزك، وتجنب دقيق أخلاق أهل العراق، فإنهم نشأوا على الخبّ ومذموم الأخلاق، وإذا اطلعت من خاصتك وأهل نعمتك على هوى مفسد لنصيحتك فلا تقله عثرة، ولا ترع له حرمة، ودع الاغترار به فإنك إذا اغتررت به كنت كمدخل الحيّة دون شعاره، إن شاء الله». ولمّا قرأ الكتاب قال: أفهمته يا بنيّ؟ قال: نعم، قال: فاتخذه لك إماما ومثالا، ثم قال: أستودعك الله يا بني وأنشد:

المرء يأمل أن يعيش … وطول عيش قد يضرّه

تبلى بشاشته ويبقى … بعد حلو العيش مرّه