يوما ثالثا وخرج الحاجب فاستترت منه مخافة أن يتشاءم بي فقال لحاجبه:
اطلبه، فرآني، فأتيت معاوية فتوكّأ عليّ ثم قال: أجر القرّح، فسبق، فقال: يا بن مروان، هكذا القرّح تسبق لها القرّح، هات حاجتك، فما سألت حاجة إلاّ أمر بها فعجّلت.
المدائني عن النضر بن اسحاق عن بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة قال:
قال معاوية لآذنه: ابغني قوما يتحدّثون عندي ويحدّثوني، فأدخل إليه أربعة من سليم فيهم نصر بن الحجّاج، فقال معاوية: أتدرون لم دعوتكم؟ فقال نصر: دعوتنا لأمر حزب ونازلة نزلت فأردت أهل النصيحة والرأي، قال:
ما كان بحمد الله إلاّ خير ولا جاءنا إلاّ ما نحبّ، قال: فدعوتنا لأنك روأت (١) فقلت ما تركت رحما إلاّ وصلتها وزيّدتها إلاّ رحم هذا الحيّ من سليم، فدعوتنا للصلة وقضاء الحقّ، قال: إنّكم لذلك لأهل وما لذلك دعوتكم، قالوا: فدعوتنا لأمر عراك فأردت أن نحدّثك ليذهب غمّك، فإن أردت حديث الجاهليّة وأيّام العرب وأنسابها فنحن بنوها، وإن أردت حديث الإسلام فنحن أهله، قرأنا كتاب الله وفقهنا في الدين، وإن أردت علم العجم فقد غزوناهم ولنا بأمورهم علم، قال: فأطرق معاوية طويلا ثم قال: أنا خير قريش لها حيّا وميتا، قال نصر: ذاك رسول الله ﷺ، هداها الله به من الضلالة، وبصّرها بعد الحيرة، وأعزّها بعد الذلّة، وأغناها من الفقر، وجمع لها به الحسنيين الخلافة في الدنيا وحسن الثواب في الآخرة، وأورثها كتاب الله فصرتم به علينا أربابا، ولكن إن
(١) - روأ في الأمر: نظر فيه وتعقبه، ولم يعجل بجواب. القاموس.