جارية، فقال له معاوية، إيه يا جويرية، أنت الذي بلغني عنك تخبيب (١) للجند وقلّة من الشكر؟ فقال: وعلام نشكر؟ ما تعطي إلاّ مداراة ولا تحلم إلاّ مصانعة، فاجهد جهدك، فإن ورائي من ربيعة ركنا شديدا لم تصدأ أدرعهم مذ جلوها، ولا كلّت سيوفهم مذ شحذوها، فقال: أخرجوه، ثمّ أمر معاوية حاجبه فأدخل إليه رجلا من أهل اليمن يقال له عبد الله، فقال له: إيه يا عبيد السوء، ألحقتك بالأقوام وأطلقت لسانك بالكلام، ثمّ يبلغني عنك ما يبلغني من سوء الإرجاف؟! لقد هممت أن أخرجك وأنت عبرة لأهل الشام، فقال: أيا معاوية ألهذا دعوتني، ثم صغّرت اسمي ولم تنسبني إلى أبي؟ وإنّما سميّت معاوية باسم كلبة عاوت الكلاب، فاربع على ظلعك فذلك خير لك، فقال لحاجبه: أخرجه، فقالت فاختة: صانع الناس بجهدك، وسسهم برفقك وحلمك، فأخزى الله من لامك.
حدثني أبو حفص السامي قال: بلغنا أن يزيد بن معاوية قال لأبيه:
يا أمير المؤمنين متى يكون العلم ضارّا؟ قال: إذا نقصت القريحة وفصلت الرواية.
وقال معاوية: إذا لم يكن الهاشمي شجاعا سخيّا لم يشبه قومه ولم يشبه من هو منه؛ وقال: إذا لم يكن الاموي مصلحا لماله، حليما عند غضبه، لم يشبه من هو منه، ولن تعدم من الهاشمي لسنا أو سخاء أو شجاعة، وربّما اجتمع ذلك لبعضهم.
المدائني عن أبي إسحاق التميمي قال: سمع معاوية رجلا يقول:
ومن رقاش ماجد سميدع … يأبى الذي يكرهه فيمنع
(١) - الخب: الخداع والخبث والغش، والخبب ضرب من العدو والسرعة. القاموس.