لأقتلنّكم أو ليأتيني زياد، فشخص أبو بكرة إلى معاوية فكلّمه في تخلية أولاد زياد وقال: أحداث ولا ذنب لهم، فكتب إلى بسر بتخلية سبيلهم، وكتب لزياد أمانا، ويقال انّ أبا بكرة طلب إلى بسر أن يؤجّله أياما سمّاها ليأتي معاوية فيكلّمه في بني زياد، فأجابه إلى ذلك، فلمّا كان آخر يوم من الأجل وقد طلعت الشمس أخرج بني زياد ليقتلهم، فبينا هو ينظر غروب الشمس إذ أقبل أبو بكرة وأعين الناس طامحة ينتظرون قدومه، وهو على دابّة له قد جهدها، حتّى أعطى بسرا الكتاب من معاوية بالكفّ عنهم، فكبّر الناس. وقال بعضهم: كان مقام بسر بالبصرة ستّة أشهر.
وكان المغيرة بن شعبة صديقا لزياد لكتابته له، ولأنه لمّا وجد مع المرأة فشهد عليه الشهود كان زياد رابعهم، فلمّا نظر إليه عمر قال: أرى رجلا لا يفضح الله - أو لا يخزي - به رجلا من أصحاب محمّد، فأحجم عن قطع الشهادة حتّى درأ عمر الحدّ عن المغيرة، فدخل المغيرة على معاوية فقال معاوية حين رآه:
إنّما موضع سرّ المرء إن … باح بالسرّ أخوه المنتصح
فإذا بحت بسرّ فإلى … ناصح يستره أو لا تبح
فقال له المغيرة: يا أمير المؤمنين إن تستودعني سرّك تستودعه ناصحا شفيقا ووعاء وثيقا، فقال معاوية: شر الوطاء العجز، أترضى أن يكون زياد وهو داهية العرب وقريع ذوي الرأي والحزم بمكانه؟ ما يؤمّنني أن يبايع لبعض أهل هذا البيت فيعيدها جذعة، والله لقد بتّ ليلتي ساهرا لذكري زيادا واعتصامه بقلعة بأرض فارس، قال المغيرة: فأذن لي في إتيانه آتك به، قال: نعم فمضى جوادا حتّى قدم على زياد، فلمّا رآه قال: أفلح