فكتب إليه زياد أن اصطف كلّ صفراء وبيضاء لأمير المؤمنين، ولا تقسم ذلك واقسم ما سواه، فكتب الحكم إليه: إنّي وجدت كتاب الله قبل كتابك، فلو أنّ السّموات والأرض كانتا رتقا على عبد فاتّقى الله لجعل له منهما مخرجا، والسّلام؛ وقسم الغنائم بين الناس.
المدائني عن يزيد بمثله وزاد فيه: فكتب إليه زياد: والله لئن بقيت لك لأقطعنّ منك طابقا، فقال الحكم: اللهمّ إن كان ما عندك خيرا لي فاقبضني إليك، فمات بعد أيّام بخراسان.
وقال المدائني: صلّى أنس بن أبي أناس على الحكم وذلك في سنة خمسين، ويقال بعد ذلك، وكتب الحكم إلى زياد: إنّي قد استخلفت أنسا وإنّي أرضاه لك وللمسلمين، فقال زياد: اللهم إنّي لا أرضى أنسا لك ولا لي ولا للمسلمين، وولّى خراسان خليد بن عبد الله، فقال أنس:
ألا من مبلغ عنّي زيادا … مغلغلة يخبّ بها البريد
أيعزلني ويطعمها خليدا … لقد لاقت حنيفة ما تريد
عليكم باليمامة فاحرثوها … فأوّلكم وآخركم عبيد
فولّى خليدا أشهرا ثمّ عزله وولّى الربيع بن زياد خراسان فغزا فغنم، وأعتق الربيع فروّخا - وكان كاتبه على مائة ألف - فقال: ما أقبح أن آخذ لك ثمنا يا فروخ، وما أقبح أن تكون مكاتبا، أنت حرّ ومالك لك.
وحمل الربيع مرزبان مرو إلى زياد، فأمر الناس فصفّوا من المربد إلى دار الإمارة وعليهم السلاح، فقال: كيف رأيت عدّتنا مع قرب عهدنا بالسلطان؟ فقال: ما أحسن ما رأيت، قد ملك السلاح قبلكم أقوام فلم أره أغنى عنهم شيئا حين انقطعت آثارهم وانقضت مدّتهم.